الرئيسية » قصص انسانية »
06 أيار 2025

كان يشعرُ أنه لن يعود المسعف الشهيد محمد بهلول

في كل مرة كان محمد صبحي بهلول (٣٦ عاما) المسعف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، يعود فيها إلى المنزل، كان يقولُ لذويه: " اليوم رجعنا، بكرا ممكن لا سمح الله ما نرجع"، ظل يرددها ويخشاها في كل مرة، حتى منعته رصاصات الاحتلال الإسرائيلي من العودة في مرته الأخيرة، قتل وسبعة أخرين من زملائه واعتقل آخر في مجزرة إسرائيلية جديدة في الثالث والعشرين من شهر آذار الماضي.

كان محمد يعلمُ خطورته وظيفته، كان يشك في كل ما تلقاه وتعلمه عن القوانين الدولية وحماية الشارة، لأنه كان يرى بأم عينه استهداف الاحتلال الإسرائيلي لكل معالم الحياة في قطاع غزة، صحفيين وأطباء ومسعفين رغم أن كلهم محميون بفعل القانون الدولي الإنساني.

 

محمد صبحي محمود بهلول

وُلد في عام ١٩٨٩ في حي الجنينة بمدينة رفح، كان متزوجًا وأبًا لخمسة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر عشر سنوات، وأصغرهم هو طفل لا يتجاوز الأربعة أشهر، وُلِد في الأول من كانون الثاني ٢٠٢٥ خلال الحرب، لم يقض معه والده وقتاً طويلاً بفعل العدوان المستمر على غزة منذ نحو عام ونصف.

حصل محمد على شهادته في التمريض من جامعة الأزهر في غزة، وكان يحمل رخصة الإسعاف كسائق ومسعف، قبل شهرٍ من استشهاده، أنهى دراسته للبكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة القدس المفتوحة. كان يحلم بحياة مستقرة، تتوفر له وظيفة ثابتة تؤمِّن احتياجات عائلته، واهتم دائمًا بتحقيق مستقبل أفضل لأبنائه.

خلال فترة الهدنة، تمكنت عائلته من العودة إلى منزلهم في رفح، لكنهم اكتشفوا أن شقتهم قد تعرضت للحرق من قبل جيش الاحتلال، واليوم، تعيش عائلته في ظروف النزوح القاسية في مواصي خانيونس، ولا يعرفون عن مصير منازلهم أو حياتهم السابقة شيئًا، حيث تخلخلت حياتهم بشكل مأساوي.

 

فارس إنسانية ترجل

يتحدث شقيقه علي بكل فخر عن صفاته وإنسانيته، كان معروفاً في الحي والمدينة، فارساً من فرسان الإنسانية، مقبلاً على مساعدة الاخرين ومحاولة الحفاظ على حياتهم، حافظ على عزيمته لأشهر طويلة، في حرب أنهت كل شيء.

يصف علي شقيقه الشهيد بالقول: "كان معطاءً لدرجة لا يتخيلها أحد، خلال جنازته، سمعنا الكثير من الأقاويل عن أعمال الخير التي قام بها، عُرف محمد بتفانيه في مساعدة الآخرين، وكان دائمًا أول من يتوجه لإنقاذ المصابين خلال العدوان على رفح، معرضًا نفسه للخطر في كل مرة".

كان محمد مؤمنا بالمخاطر المحيطة به، كان يعيش في قلب الموت والشظايا، كان دائما يذكر عائلته بأنه يوما ما قد لا يعود، ويروي شقيقه علي أنه كان دائما يردد "اليوم رجعنا، بكرا لا سمح الله ممكن ما نرجع"، لكنه كان دائما يعود لإنقاذ الحياة حتى وضع له الاحتلال موعداً مع الموت.

بقي جثمان محمد وسبعة من رفاقه، وجثامين سبعة آخرين من الدفاع المدني الفلسطيني والأمم المتحدة، أسبوعاً كاملا تحت الرمال، حتى استطاعت أكف زملائهم الحفر وانتشالهم، وحملوا على أكتفاهم في الطريق إلى مثواهم الأخير.