غزة عبارة عن مشفى نفسي كبير
غزة- البيرة- أكد عدد من الاختصاصيين النفسيين العاملين في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة اليوم (2009.03.04)، على أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، خلف اثارا نفسية كبيرة لن تعالج بسهولة على المدى المنظور.
وأكد هؤلاء خلال لقاء نظمته دائرة الصحة النفسية في الجمعية، ضم عدد من الاختصاصيين النفسيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر نظام الفيديو كونفرنس، على أن قطاع غزة تحول بعد العدوان الأخير إلى مشفى نفسي كبير، نظرا للكم الهائل من الضغط النفسي الذي تعرض له السكان، نتيجة الاستهداف المباشر من قبل قوات الاحتلال.
وقال مصطفى كلاب، أحد الاختصاصيين العاملين في مركز الصحة النفسية التابع للجمعية بخانيونس: "إن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة شكل في صدمة كبيرة للسكان"، مشيرا إلى أن المواطنين هرعوا إلى الشوارع لمعرفة ما يجري، بعد أن اهتزت منازلهم بفعل القصف.
وروى كلاب قصة استشهاد أحد المواطنين أمامه مباشرة، بعد تعرض دراجته النارية للقصف، مؤكدا على أن هذا المشهد ترك فيه أثرا نفسيا كبيرا، وأنه أصبح بحاجة إلى الدعم كي يعود إلى طبيعته بعد ما شاهده من أحداث مأساوية.
وبدوره، وصف زميله عاطف العسولي، ما حدث في غزة بالزلزال المتواصل، قائلا: "هرع الناس إلى الشوارع، بعد أن شاهدوا الأبراج السكنية تهتز بمن فيها، فإذا بقيت في منزلك ستقصف، وإذا خرجت ستقصف، الكل كان مستهدفا".
وأشار إلى أنه شاهد زلزال عام 1992 في مصر، واصفا المشهد في غزة بانه أشد قسوة وتدميرا من ذلك الزلزال، لأن زلزال القاهرة استمر ثوان معدودةٍ، بينما استمر زلزال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قرابة الشهر.
من جانبها أشارت الاختصاصية، هبه الأسطل، إلى حجم المأساة الكبير المتمثل في التعامل مع ضحايا العدوان، الذين تجمعوا في مقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بخانيونس طلبا للأمان، لافتةً إلى أنها وجدت صعوبة كبيرة في إخلاء الأطفال من المبنى، بعد انتشار إشاعة تفيد بأنه سيتعرض للقصف، بعد أن قصفت مقرات الجمعية في مدينة غزة.
وهو ما أكد عليه زميلها مصطفى العتال، الذي كان في المكان نفسه، مشيرا إلى أن استهداف قوات الاحتلال للمنشآت الصحية، وبخاصة مباني الجمعية بمدينة غزة، ولد ذعرا كبيرا بين المواطنين المحتمين بمقر الهلال الأحمر في خانيونس، ووجد صعوبة كبيرة في اقناعهم بأنهم بأمان.
وأضاف مصطفى أن إصابة شقيقه حسن، وهو أحد ضابط الإسعاف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بمنطقة جباليا، ولدت لديه توترا شديدا، في ظل صعوبة الاتصال والتواصل بين مناطق القطاع، لافتا إلى أنه استغرق ساعات للاطمئنان على أخيه.
وفي السياق ذاته، وصفت الاختصاصية نفين عبد الهادي، العداون الأخير على قطاع غزة بالمختلف عن سابقاته، من حيث دائرة الاستهداف، الذي شمل الجميع دون استثناء، مشيرةً إلى أنها عملت مع الضحايا خلال العدوان وبعده.
وأشارت إلى حجم المأساة التي سمعتها وزملاؤها من الضحايا، أناس تعرضت منازلهم للقصف، عائلات بكاملها استشهدت، وحارات أبيدت، وأمهات باكيات، وأطفال ذاهلون مما حصل معهم.
ومن نايحتهما أكد زميلاها محمد الاغا ووفاء أبو زهري، على صعوبة علاج الاثار النفسية التي خلفها العدوان على المواطنين، مشيرين إلى فظاعة القصص المروعة التي تكشفت بعد توقفه، وإلى الجهد الكبير الذي يجب أن يبذل لتتغلب على ما سببه من أذى ودمار.
من جهته أشار عزمي الأسطل، منسق مركز الصحة النفسية التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في خانيونس، إلى الدعم المعنوي المقدم من المؤسسات والمواطنين في الضفة الغربية خلال فترة العدوان، والتي ساعدت سكان القطاع، ومنحتهم القوة على الصمود والثبات.
وأفاد أنه حاول قدر المستطاع التخفيف عن طواقم الصحة النفسية، الذين كانوا يقدمون خدماتهم للضحايا وما زالوا، وأصبحوا هم أنفسهم بحاجة لدعم كبير، بعد ما سمعوه وشاهدوه من خراب ودمار وقتل وتشريد، خلفته آلة الحرب الإسرائيلية.
وثمن فائق حسين، نائب المدير العام لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، الجهد الكبير الذي بذلته طواقم الجمعية خلال وبعد العدوان الإسرائيلي الأخير، متمنيا أن تساعد إمكانيات الجمعية وجهودها، في تخفيف آلام ضحايا هذا العدوان.
وهو ما أشار إليه د. فتحي فليفل، مدير دائرة الصحة النفسية في الجمعية، الذي أكد على حجم المعاناة الكبير الذي تمر به طواقم الدائرة والجمعية في القطاع، معربا عن أمله في أن تساهم هذه اللقاءات في التخفيف من هذه المعاناة.
وبدورها أشارت نازك عنبتاوي، مدير دائرة الشؤون الاجتماعية في الجمعية، إلى أن فظاعة العدان على غزة فرضت على المواطنين إنشاء غرف عمليات في منازلهم، وفي أماكن العمل، للاطمئنان على الأهل في القطاع، مثمنة جهود طواقم الجمعية، واختصاصيي دائرة الصحة النفسية، الذين قاموا ويقومون بتقديم الدعم للمواطنين، للتخفيف من الآثار النفسية للعدوان.
ومن جانبهم، أجمع عدد من الاختصاصيين النفسيين العاملين في مراكز الصحة النفسية التابعة للجمعية في الضفة الغريبة، على صعوبة الوضع الذي يعيشه زملاؤهم في القطاع، مبدين استعدادهم للمساعدة بشتى الطرق.