كتبت أسماء الغول: لا تناقض في أن تتواجد ألوان مبهجة للوحات تشكيلية حساسة فوق رماد ركام مسرح "الهلال الأحمر"، فبعد الحرب أصبحت المفارقات مألوفة، كما هي سريالية مشهد امتدت فيه لوحات معرض بقايا فن متناثرة على كل ذلك الهدم والدخان والاحتراق والمأساة، لما كان أضخم وأجمل مسارح قطاع غزة.
تزيد هذه اللوحات الجميلة في حزنها من الحسرة على المبنى الثقافي الوحيد في قطاع غزة، حيث كان المسرح المبطن بالمخمل الأحمر المطرز بالغرزة الفلسطينية، ومتوافقا مع شروط المسارح العالمية من حيث تقنيات الصوت والإضاءة وخشبة المسرح، الذي شهد آلاف العروض والمسرحيات، منذ إنشائه قبل ما يزيد على خمسة عشر عاماً.
وباحتراق المبنى الثقافي ومداخله وجدرانه يوم 15 من كانون الثاني في ذروة الحرب على حي تل الهوى في مدينة غزة، يكون الاحتلال الإسرائيلي قد دمر أربعمائة لوحة فنية، بعضها كان معلقاً في أروقة مبنى الهلال، وأخرى في مرسم الهلال، ومن بينها مجموعة من لوحات تراثية كلاسيكية مشهورة لفتحي غبن وبشير سنوار وهبة عناية وحسن عبد العال.
ونظمت المعرض مجموعة التقاء الفن المعاصر، بحضور عشرات المهتمين ووسائل الإعلام الأجنبية، وتضمن لوحات يتراوح مضمونها ما بين المدرستين الكلاسيكية والتجريدية، للفنانين: عبد الرؤوف العجوري ورائد عيسى ومحمد الحواجري ومحمد أبو سل ومها الداية وسهيل سالم وسعادة راضي وأيمن عيسى ودينا مطر وريمة المزين ومحمد الضابوس، إضافة إلى عمل تركيبي متميز من ورق الجرائد والأحبار للفنان التشكيلي عبد الناصر عامر.
ويقول الفنان رائد عيسى في حديث للأيام حول مشاعره إنه تألم كثيراً حين رأى تعب ما يزيد على عقد كامل من الرسم وترتيب اللوحات يدمر في دقائق.
ولفت إلى أن هذا المعرض أتى ليقول إن الحياة لم تتوقف ولا الرسم سيتوقف، موضحاً أن الاحتلال تعمد حرق الثقافة الفلسطينية بتدميره لهذا المركز العريق.
ويوافقه عبد الناصر عامر بقوله إن هناك إحساسا بالانفجار في داخل القلب، خاصة حين جاءوا أول يوم بعد الحرب ورأوا بقايا اللوحات الفنية الأشهر في التراث الفلسطيني، والدمار الذي أوحى باستحالة ترميم المكان.
وأكد أن عمله التركيبي على ورق الجرائد والذي يظهر مجموعة من الشخصيات المتشابهة الهلامية الملامح يعبر عن أحلام الشباب الضائعة التي تأتي على هامش اهتمامات العالم.
من ناحيته، قال الصحافي المصور محمد عبد إنه بالفعل ذرف دموعا حارة حين رأى دمار المسرح لأول مرة، متذكراً اللحظات الكثيرة التي جمعته فيها جدران هذا المسرح مع أبنائه، وضجت ضحكاتهم عشرات المرات في المكان يشاهدون معاً العروض المسرحية المتميزة.
وأكد كون هذا المعرض دليلا على أن الألم يجاور دائماً التفاؤل في روح المبدع الفلسطيني، فقد لم هؤلاء الفنانين والفنانات شمل حزنهم وعرضوا ما تبقى من لوحاتهم في ممرات المسرح المدمرة.