غزة- الشرق الاوسط- لم يعد فؤاد المعني، 44 عاماً، رجل الإسعاف الفلسطيني، يذكر عدد المرات التي تعرض فيها لإطلاق نار الجنود الاسرائيليين بشكل مباشر، خلال محاولاته إنقاذ جريح أو إخلاء جثة قتيل سقط خلال عمليات الإجتياح والتوغل التي يقومون بها. وفي حديث لـ «الشرق الأوسط» يؤكد أنه في بعض الأحيان يقوم بإجلاء الجرحى والقتلى رغم إدراكه خطورة هذه المهمة، حتى وهو يدرك أن من الممكن ألا يعود سالماً الى بيته. ويروي المعني أنه عندما يرفض الجنود الاسرائيليون السماح له ولزملائه باخلاء القتلى والجرحى، فإنه ينتظر ويحاول أن يسلك طريقاً آخر يتسلل من خلاله الى الموقع الذي يوجد فيه الضحايا ويقوم بنقلها الى سيارة الاسعاف شخصاً شخصاً حتى لا يتم استهدافه من قبل الجنود الاسرائيليين، منوهاً الى أنه يلجأ الى استخدام هذا الأسلوب في حال وجود القتلى والجرحى في مكان غير مكشوف، أما إذا وجدوا في مكان مكشوف، فإنه لا يقدم على هذه المحاولة على اعتبار أن الجنود لن يتورعوا عندها عن قتله. ويؤكد المعني أنه رغم أنه منذ أن شرعت إسرائيل في عدوانها العسكري الأخير على قطاع غزة لا يتحرك أي طاقم إسعاف إلا بعد أن يقوم الصليب الأحمر الدولي بالتنسيق مع الجيش الاسرائيلي ويحصل منه على إذن يسمح لاطقم الإسعاف بإجلاء القتلى والجرحى، إلا أن الجنود الاسرائيليين على أرض الواقع لا يحترمون تعهداتهم للصليب الأحمر، مشيراً إلى أنه وزملاءه في البداية كانوا يشعرون بالارتياح عندما يحصل الصليب الأحمر من الجيش الإسرائيلي على موافقة لإجلاء الجثث والجرحى، لكن جهود التنسيق التي يقوم بها الصليب الأحمر حالياً لم تعد تعني شيئاً لانه لم يعد يشكل عنصر حماية لهم. وأكثر ما يثير الحزن في النفس هو ما يرويه المعني عن قيام الجيش الإسرائيلي قبل أحد عشر يوماً بإطلاق قذيفة مدفعية على سيدة وابنتها من عائلة أبو حجاج، عندما كانتا تسيران في شارع قرب منزلهما في منطقة جحر الديك، التي تقع بين مدينة ومخيم البريج للاجئين، وسط القطاع، الأمر الذي أدى الى مقتلهما. ويقول المعني إن الأهالي أبلغوا دائرة الإسعاف في المنطقة وتم إبلاغ الصليب الأحمر للحصول منه على تنسيق، مشيراً الى أن الصليب الاحمر حصل من الجيش الإسرائيلي على إذن بإخلاء الجثتين، لكن الجيش الإسرائيلي ظل يطلق النار على كل سيارة اسعاف تحاول الاقتراب من الجثتين، مؤكداً أنه ومنذ 11 يوماً مازالت جثتا السيدتين ملقاتين على قارعة الطريق في ارض زراعية. وأكد أنه كل يوم يتوجه شخصياً بسيارة الإسعاف مع زملائه لإجلاء الجثتين، ويتم اطلاق النار عليه من قبل الجنود الاسرائيليين. لكن في الوقت الذي ظل المعني على قيد الحياة، فإن هناك 13 من رجال الإسعاف قتلوا أثناء محاولتهم القيام بمهامهم.
المسعفون ياسر شبير، ورأفت عبد العال، وأنس نعيم، قتلوا جميعاً في قصف إسرائيلي عندما كانوا يحاولون اجلاء قتلى وجرحى سقطوا جراء قصف تعرضت له المنطقة التي تقع في نهاية شارع بغداد الذي يقسم حي الشجاعية الى قسمين.
وكما تؤكد وزارة الصحة، فإن الجيش الإسرائيلي قتل المسعفين الثلاثة على الرغم من حصولهم على تنسيق مسبق من الصليب الأحمر الدولي. وأول من قتل من طواقم الإسعاف كان الدكتور إيهاب المدهون والمسعف محمد أبو حصيرة، اللذان انطلقا لإجلاء عدد من الجرحى بعد قصف تعرضت له منطقة جبل الريس، شمال شرقي حي الشجاعية. وبينما كان الإثنان يسرعان صوب المصابين، كانت طائرة استطلاع تطلق صوبهما صاروخين، فيقتل المدهون على الفور، ويتوفى ابو حصيرة متأثرا بجراحه بعد عدة أيام. لكن رغم مظاهر التضحية والتصميم والتحدي التي يبديها المسعفون الفلسطينيون، إلا أن عشرات الجثث، إن لم يكن أكثر من ذلك، لا تزال ملقاة على قوارع الطرق أو تحت ركام المنازل المدمرة لقربها من وجود تجمعات القوات الاسرائيلية في قواطع المواجهة المختلفة. الدكتور معاوية أبو حسنين، مدير قسم الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة الفلسطينية، يقول إنه الى جانب استهداف المسعفين بشكل شخصي، فإن الجيش الإسرائيلي يستهدف سيارات الاسعاف، مشيراً الى أن عددا كبيرا من سيارات الإسعاف تعرضت لأضرار كبيرة جراء اطلاق النار عليها من قبل الجيش الإسرائيلي. واستذكر ابو حسنين أن قطاع غزة يعاني أصلاً من نقص شديد في عدد سيارات الإسعاف.