ما زالت آلة القتل والدمار الإسرائيلية، حتى الآن، موغلة في سفك الدم الفلسطيني.. فالطائرات الإسرائيلية ترسل حممها القاتلة على بيوت الناس الآمنين، والزوارق الحربية تقصف بلا هوادة سواحل غزة والبنايات المشيدة على شواطئها، موقعة مئات الشهداء وآلاف الجرحى، وعشرات آلاف المشردين من بيوتهم، التي طالها القصف.
وكان من نتيجة هذه الهجمة اللاإنسانية حدوث مآسٍ اقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية مهولة. عدا عن ما تركته عمليات القصف من تداعيات نفسية ضحاياها من الأطفال والنساء والشيوخ.
ونظراً للإصابات الكثيرة.. والكثيرة جداً، التي لحقت بالمواطنين اضطرت المستشفيات الفلسطينية في قطاع غزة، الى تحويل قاعات الاستقبال وأقسام الولادة والباطنة، الى غرف عمليات.. وحتى هذه لم تعد تكفي لإجراء العمليات الجراحية العاجلة، التي يتوجب اجراؤها لإنقاذ حياة الذين يتعرضون لعمليات القصف.
ومعروف أن غرف العمليات في مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وهو من أكبر مستشفيات القطاع، تسمح بإدخال ستة مصابين في الأحوال العادية لإجراء عمليات عاجلة، لكن المستشفى يضطر في ظل العدوان القائم على قطاع غزة، على ادخال 50 جريحاً لغرف العمليات دفعة واحدة، الأمر الذي أجبر ادارات المستشفيات على تحويل أقسام الباطنة والولادة الى ساحات لإجراء العمليات الجراحية.
وبسبب النقص في المستلزمات الطبية، فإن الكثير من الجرحى، الذي يصلون الى المستشفيات الفلسطينية يتوفون. علماً أن هذه المستشفيات تعاني من نقص حاد في هذه المستلزمات، منها: اليود والبلودين، وهي المادة المعقمة للجروح، وكذلك مواد التخدير اللازمة في اجراء العمليات الجراحية. الأمر الذي أجبر الجراحين على التعامل مع المصابين، من دون تخدير، واستخدام أدوات ايقاف النزيف وخيوط الجروح، سيما في قسمي الاستقبال والطوارئ، بهدف انقاذ حياة الجرحى بأقصى سرعة.
يضاف الى كل ذلك تعطل معظم الأجهزة الطبية الضرورية جداً، لحاجتها للصيانة، مثل أجهزة التنفس الاصطناعي، التي تستخدم في غرف العناية المكثفة وأجهزة التخدير، وأجهزة غسيل الكلى، والكثير من التجهيزات اللازمة لأقسام الأطفال في المستشفيات. عدا أن الكادر الطبي في المستشفيات يعجز عن التعامل مع العدد الكبير من المصابين، بسبب النقص في عدد الأطباء المختصين في اصابات الحروب والإرهاق الدائم للطواقم الطبية خلال السبعة أيام الماضية من العدوان.
وهناك نقص كبير في عدد سيارات الإسعاف، سواء تلك التي تتبع وزارة الصحة، أو جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، والمؤسسات الصحية الأخرى في قطاع غزة. وتشير معطيات هذه المؤسسات الى أن خمسين في المئة من سيارات الإسعاف التي لديها أصبحت خارجة من الخدمة، لحاجتها لقطع غيار غير متوفرة بسبب الحصار المفروض على القطاع.
وبخصوص الأدوية، أشارت هذه المعطيات الى أن هناك أصنافاً كثيرة من الأدوية وبخاصة تلك المتعلقة بالتخدير وأدوية الأمراض المزمنة لمرضى السرطان والقلب، أصبحت مفقودة تماماً من المستودعات الصحية ومن الصيدليات، الأمر الذي يؤدي الى وفاة المزيد من الجرحى والمرضى.
والى جانب هذا هناك نحو 180 طفلاً في قطاع غزة يعانون من مرض PKU، الناجم عن نقص مادة الفنالين، معرضين لخطر شديد بسبب نقص الحليب. وفي حال لم يحصل هؤلاء الأطفال على الحليب يومياً، فإنهم يتعرضون لخطر الإصابة بتخلف عقلي، حيث أن المخ لدى هؤلاء الأطفال يتجه للضمور بسبب نقص الحليب.
وعدا هؤلاء هناك عشرات أخرى من الأطفال مصابون بتليف الرئة يعانون من نقص الأدوية اللازمة لهم، الأمر الذي يهدد حياتهم.
وليس هذا، فحسب، ففي قطاع غزة هناك أزمة عذاء مستفحلة، جعلت الحصول على رغيف خبز، من الأمور الصعبة جداً. وجاء في تصريح لكريستين فان نيوينهويس، ممثل برنامج الأغذية العالمي في الأراضي الفلسطينية، بهذا الخصوص "ان الوضع الحالي في القطاع مزر، ولم تعد العديد من المواد الغذائية الأساسية متوفرة في السوق".
ان ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، كقوة احتلال حربي، خالفت أبسط قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني، التي تنص على حفظ الكرامة الإنسانية للضحايا وحمايتهم من غطرسة الدولة المحتلة أثناء النزاع المسلح والاحتلال الحربي.
لقد خالفت تلك الممارسات قواعد قانونية تصب في اطار العرف الدولي منذ زمن، منها القاعدة التي تحظر استخدام القوة المفرطة، واستخدام أسلحة ووسائل قتال من شأنها احداث اصابات أو اضرار لا مبرر لها، والقاعدة التي تؤكد على مبدأ التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية وعدم التعرض للمدنيين، والعقوبات الجماعية، كالتجويع والحصار الخانق، اضافة الى مخالفتها لأحكام القسم الأول من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المنطبقة قانوناً على الأراضي الفلسطينية المحتلة.