القدس المحتلة: سدراسان راغافان وإسلام عبد الكريم
من وسط الأنقاض، تروي إيمان بعلوشة، مرتدية ملابس نوم خضراء. كيف كانت تسمع صرخات أخواتها ينادين: "أمي، أميّ! أين أمي؟ أخرجينا من هنا!" كانت صرخاتهن تخرج من تحت الحجارة المنهارة".
في وقت مبكر من اول من امس، دمرت غارة إسرائيلية على مخيم جباليا شمال قطاع غزة، منزل أسرة بعلوشة، قرب مسجد عماد عقيل، وهو الهدف المقصود الذي تدمر أيضا. وحاول رجال الاسعاف سريعا إنقاذ الشقيقات اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 4 اعوام إلى 17 عاما، وكانت إيمان الوحيدة سعيدة الحظ، لأن الانقاض لم تطمرها بالكامل.
وتذكرت إيمان التي كانت ترى ساق شقيقتها جواهر، 4 أعوام، وتناديها الأسرة باسم آية، كيف توقفت صرخات الشقيقات تحت الانقاض واحدة تلو الأخرى، وكان يمكنها أن تلمس شعرها. ولكن بعد دقائق، توقفت آية عن التنفس.
وقالت إيمان، 16 عاما، في حديث اجري معها في منزل احد اقاربها اللية قبل الماضية: "فقدت خمس شقيقات" وخفت صوتها وبدأت الدموع تنهمر من عينيها. وكانت والدتها سميرة تحمل ابنها البالغ من العمر 16 شهرا، الذي امتلأ وجه بالجروح وبقع من الدماء الجافة. وأخذت تسأل سميرة: "هل طفلتي الرضيعة البالغة من العمر 12 يوما تحمل صاروخا؟ أو يحمل ابني قذيفة؟ أو كانت بناتي يضعن بنادق كلاشنيكوف إلى جوارهن؟ لماذا استهدفوهن؟".
وعندما بدأت الغارات الجوية يوم السبت الماضي، كانت سميرة وأبناؤها التسعة في منزل والدها. وقررت العودة إلى منزلها لأنه "لا فرق بين أي مكان ومكان في غزة» كما تقول سميرة. وقالت إن ابنتها الكبرى تحرير ذكرت أنه من الأفضل أن «يعيشوا معا أو يموتوا معا" لذلك عادوا إلى منزلهم. وشعروا ببعض الراحة لوجودهم إلى جوار المسجد الذي لن يتم استهدافه، كما ظنوا. وفي الساعة العاشرة مساء يوم الأحد، تمنت سميرة لبناتها السبع ليلة هانئة. وكن ينمن في غرفة واحدة في المنزل الصغير بدون كهرباء. وقبل أن تغادر الغرفة أطفأت مصباح الكيروسين. وهي تقول: "كنت أخشى من أن تهز غارة جوية المنزل ويسقط المصباح ليحرق الغرفة" ثم أخذت هي وزوجها أنور ابنهما محمد وطفلتها الرضيعة بارا إلى غرفتهما.
ولم تكن تدري ان مسجد عماد عقيل، أحد كوادر حماس العسكريين الذي قتله إسرائيل، سيكون هدفا. وذكرت سميرة وزوجها أنهما استيقظا على صراخ بارا ومحمد. وكانا مغطيين بالأنقاض. وقد أصابت بعض الحجارة وجه الطفل، ووقعت الرضيعة من على السرير. ويتذكر أنور أنه قال لزوجته أن تتلو الشهادة.
وحاولا إزالة الركام والتحرك في الظلام. يساعدهم الجيران. وأخذت سميرة ابنها محمد وسلمته لأحد رجال الاسعاف بينما أخذ أنور بارا وخرج إلى الشارع. ثم ذهبت سميرة إلى غرفة بناتها.
وتروي: «وجدت تلا من الإسمنت فوق بناتي. ولم أتمكن من فعل شيء، فجريت إلى الشارع وأخذت أصرخ: "يوجد سبع بنات في الغرفة. أرجوكم أخرجوهن»". وأخذها الجيران إلى المستشفى. وأخبرها أحد أقاربها أن جميع الفتيات أحياء.
وفي داخل الغرفة، كانت إيمان تحاول الخروج، وطلبت النجدة. وأخيرا تمكن رجال الاسعاف من سماعها وإخراجها. وكانت تسأل: "أين أبي؟ أين أمي؟" وبعد عدة دقائق، ظهرت أختها سماح (10 سنوات) أيضا. وقالت إيمان وهي تبكي بشدة: "لم أر شقيقاتي حتى ودعتهن في المشرحة".
وكانت سميرة تنظر إلى وجه ولدها المصاب بجروح وتبعد عنه الذباب، وهي تتحدث في منزل أقاربها: "أرجو أن تصاب قلوب الإسرائيليين بالجرح الذي أصاب قلبي». وكانت جدة إيمان موجودة في المكان. وفجأة، أصابت غارة جوية منطقة قريبة، واخترق صوتها المنزل. فصرخت الجدة: «يا رب احفظ أبناءنا".
ودخل أنور بعلوشة منزله بعيد انهياره. وكانت الجروح تملأ وجهه، ورأسه محاطا بضمادة طبية، وهو يسير بالكاد. وبمساعدة أحد أقاربه، عرج فوق الركام. وكانت المياه تقطر من السقف الذي لم يصب بأذى.
وفي حجرة بناته، كانت لوحة تحمل آية من القرآن الكريم: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".
ولدى وقوفه في ذلك المكان، تذكر أنور كيف كانت ابنته تحرير متفوقة في دراستها. وكان يحاول أن يفهم كيف يمكن لعامل بأجر يومي فقير لا يجد عملا أن يعاني كل هذه البلاء في ليلة واحدة.
وقال: "ليس لي علاقة بأي من الفصائل الفلسطينية. وليس لي أية علاقة بحماس أو غيرها. أنا شخص عادي".
وأخذ يسأل: "لماذا أنا؟ لماذا أسرتي؟" وأجهش في البكاء.
"فقدت تحرير وإكرام وسمر ودينا وآية، لقد فقدت خمس بنات. وكنت أحبهن جميعا. أنا مستعد لأن أموت مائة مرة لكي تعود بناتي من جديد".