أول صف توجيهي للصم بالضفة الغربية
مسيرة التحدي والأمل .. اخترقت جدران الإعاقة
رام الله-علي عبيدات- أسماء ووئام وحياة ونعمة وأمينة، خمس فتيات صم، يتقاسمن الأمل، ويرفعن شعار التحدي في أول صف ثانوية عامة للطلبة الصم في الضفة الغربية، بمركز الاتصال التام لتعليم وتأهيل الصم في جمعية الهلال الأحمر بمدينة رام الله.
إصرار الطالبات الخمس اللواتي يتشاركن الحلم، اخترق جدران الإعاقة، وتجاوز حاجز العجز، ليصل ذروة نجاحه، محققا إنجازا كبيرا، بكونهن أول طالبات في أول صفٍ للصم يتقدمن لامتحان الثانوية العامة، بنفس المنهاج، ونفس الموعد مع الطلبة الآخرين بالضفة الغربية.
وإنطلاقا من حقهن بالتعليم، أسوةً بغيرهن ممن يسمعون ويدرسون في المدارس العامة، وعلى أمل النجاح والالتحاق بالجامعة، تخوض الفتيات الخمس التجربة، ليبرهنّ للمجتمع أن إعاقتهن السمعية، لن تقف عائقا أمام طموحهن بإكمال دراستهن الثانوية.
"إنهن مميزات وصادقات، وتربطني بهن علاقة حميمة"، بهذه الكلمات عبرت المعلمة اسمهان عصفور، عن علاقتها بطالباتها، اللواتي شاركن كغيرهن في إحياء الذكرى الرابعة لاستشهاد الراحل ياسر عرفات، بارتداء الكوفية الفلسطينية وتوزيع صور الشهيد عرفات في المدرسة، فيما اعتبرته عصفور إشارة مميزة على ما يمتعن به من وطنية كبيرة وانتماء.
وأضافت عصفور التي ترجمت ما تقوله طالباتها، اللواتي قضت معهن أكثر من ثماني سنوات، عن أملها وطموحها الكبير بنجاح التجربة، مشيرةً إلى أنه رغما من الصعوبات الكبيرة التي تواجهها الطالبات إلا أنهن يتصفن بتميز كبير، نابع من إصرارهن على إكمال المرحلة وتحقيق النجاح.
وتعكس الطالبة أسماء عنقاوي، من بلدة بيت سيرا قضاء رام الله، نموذجا للتحدي والنجاح، فالتحقت بمدرسة الصم التابعة للمركز من بداية التسعينات، لصعوبة الالتحاق بالمدارس العامة، نظرا لعدم وجود مترجم إشارة فيها، حالها حال خمسة آخرين من أشقائها.
وتحلم عنقاوي التي نجحت في تجاوز الحواجز المادية والنفسية، والوصول إلى الثانوية العامة، بدراسة اللغة الإنجليزية في جامعة بيرزيت، لتطوير إمكانياتها في قراءة الشفاه عند الالتقاء بمن يتحدثون اللغة الإنجليزية.
وتشير عنقاوي إلى استغراب المجتمع الكبير من تجربتها وزميلاتها في صف التوجيهي، لافتةً إلى أن الناس يستغربون عندما تقول لهم إنها ذاهبه للمدرسة، وإنها في الثانوية العامة، ويتفاجؤون عندما تثبت لهم ذلك، مثمنةُ دور جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في دعمها، وزميلاتها بكل الطرق الممكنة.
ومن جانبها قاسمت الطالبة حياة ياسين، من بلدة بلعين غرب رام الله زميلتها الرأي فيما يتعلق بالصعوبات المادية الكبيرة التي تواجههن وأسرهن، نظرا لتكاليف المواصلات الكبيرة، وتكاليف السماعات الخاصة بالصم.
وأشارت إلى الصعوبة الكبيرة التي تواجهها هي وزميلاتها من حيث تقبل المجتمع لفكرة نجاح طلبة صم في خوض وتجاوز مرحلة الثانوية العامة، لافتةً إلى أنها تتمنى النجاح والعمل في مجال التصميم وصناعة الملابس.
وبدورها أشارت الطالبة وئام علوي، من بلدة دير جرير قضاء رام الله، إلى صعوبات التنقل، حالها حال زميلاتها، إضافة إلى معاناتهن الناجمة عن صعوبة التنقل على حواجز الاحتلال وتجاوز الإغلاقات والاجتياحات المتكررة.
وأكدت على ضرورة أن تنجح وزميلاتها، ويلتحقن بالجامعة ويتخرجن، كي يثبتن للمجتمع أنه لا اختلاف في القدرات العقلية والذكاء بين الطلبة الصم والطلبة العاديين، متمنيةً أن تراعي وزارة التربية والتعليم وضعهن الخاص خصوصا في مادة التعبير والإنشاء.
الالتحاق بالجامعة، كان أبرز أمنيات الطالبات الخمس، وهو ما أكدته الطالبة نعمه يعقوب، من مخيم قلنديا، والتي أعربت عن أملها في أن تنهي الثانوية العامة بنجاح وتلتحق بالجامعة، وتصبح معلمة في مجال اللغة العربية أو التربية الإسلامية.
وللطالبة الخامسة أمينة سرابطة من مدينة بيت لحم، وضعا خاصا وقصةً خاصة، فهي الوحيدة من بين زميلاتها التي تقطن خارج مدينة رام الله، ما اضطرها للسكن فيها، مع ما يحملها وذويها أعباءً مادية كبيرة.
والتحقت سرابطة بالمدرسة بعد عودتها من الأردن، بعد أن دفعها الحنين للوطن والأهل لترك شقيقاتها الصم هناك، وتعود إلى أرض الوطن، لتبحث عن مدرسة تستطيع من خلالها إكمال رحلتها التعليمية.
وعبرت سرابطة عن أملها في أن تتجاوز الثانوية العامة وتلتحق بالجامعة، مطالبةً بضرورة وجود مترجم إشارة في الجامعات، ومشيرةً إلى رغبتها في أن تتعلم في مجال تستطيع من خلاله تقديم المساعدة لذوي الإعاقات.
وفي السياق ذاته، أكدت المعلمة عبير خليل، على ضرورة وجود مترجم إشارة في قاعة الإمتحان، كي يستطيع التعامل مع الطالبات الصمات، مشيرةً إلى ضرورة نجاح التجربة، الذي سيعد إنجازا كبيرا للجميع.
ومن جانبها لفتت المعلمة ندى البزار، إلى التميز الكبير لهذه التجربة التي تعكس نجاحا مميزا لبرنامج الاتصال التام، الذي طبقته وطورته جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
وبدورها أعربت غاده منصور، مديرة مدرسة الصم في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، عن أملها في أن يتم اعتماد المدرسة كمدرسة مركزية في الضفة الغربية للمرحلة الثانوية، وأن يتم استقبال الطلبة من كل المناطق لتقديم امتحان الثانوية فيها، بينما تقوم مدارس الصم الأخرى بإعدادهم في المراحل الأساسية.
ومن ناحيتها، أكدت سهير بدارنه، مديرة مركز الاتصال التام بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، على ضرورة تعاون وزارة التربية والتعليم من أجل إنجاح هذه التجربة، مطالبةً بمراعاة ظروف الطالبات الصمات، وانتداب مراقبين يجيدون لغة الإشارة.
وأشارت إلى ضرورة مراعاة وضع الطالبات عند تصليح مادة الإنشاء والتعبير، معربةً عن أملها في أن تستحدث استثناءات خاصة للصم أسوة بأقرانهم المكفوفين.
وأضافت بدارنة أن تجربة صف التوجيهي هي تتويج لنجاح برنامج الاتصال التام، الذي طبقته جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني على مدار السنوات الماضية، مشيرةً إلى الصعوبات المادية الكبيرة التي واجهت وتواجه البرنامج.
وقالت:"إن مدرسة الاتصال التام التي تحولت لاحقا إلى مركز، تأسست عام 1993، لتطبيق برنامج الاتصال التام مع الطلبة الصم من خلال استخدام كل طرق التواصل الممكنة والمتمثلة في لغة الإشارة، والتدريب السماعي، والتدريب النطقي، وقراءة الشفاه، والقراءة والكتابة، بدلا من التركيز على لغة الإشارة أو الطرق الشفوية كل على حده.
وأكدت بدارنة أن انضمام المركز لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في العام 1997، أدى إلى الحفاظ عليه وتطويره، وصولا إلى ما هو عليه الآن.
وأشارت أن رسالة جمعية الهلال الأحمر في مجال التأهيل، تتمثل في تسهيل حياة ذوي الإعاقات، من خلال تأهيلهم وتنمية قدراتهم، ودعم أسرهم على طريق دمجهم في مجتمعاتهم إلى أقصى درجة ممكنة، ويتمثل هذا بشكل واضح عبر الدعم الذي يلاقيه الطلبة الصم في مركز الاتصال التام.
ولفتت بدارنة إلى أن هناك تركيزا وتصميما كبيرين من قبل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني على إنجاح تجربة صف الثانوية العامة، كحق طبيعي لهؤلاء الطالبات لتحقيق احلامهن، ما ينعكس ايجابيا على حياتهن وانخراطهن في المجتمع، ودافعا لأهالي الصم للإهتمام أكثر بأبنائهم وتعليمهم.
وأشارت إلى أن نجاح هؤلاء الطالبات سيجعل منهن مثالا ناجحا للأطفال الصم، وسيعطي دفعةً كبيرةً تساهم في تغيير اتجاهات المجتمع تجاه الصم.
يذكر أن برنامج الاتصال التام في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ومركز الصم يضم إلى جانب المدرسة، برنامجا متكاملا في تأهيل الصم ودمجهم في المجتمع، من خلال برامج توعية مجتمعية، وبرامج نشر لغة الإشارة، وبرامج تأهيلية لذوي الصم من أجل التعامل الإيجابي معهم، وبرامج لتدريب المدرسين الذين سيتعاملون معهم، وطلبة الجامعات من ذوي التخصصات ذات العلاقة في هذا المجال.
ويبلغ عدد طلاب مراكز الصم التابعة لدائرة التأهيل في الجمعية 327 طالبا وطالبة، موزعين على أربعة مراكز، في رام الله، ونابلس، وبني نعيم في الخليل، وغزة.