الرئيسية » قصص انسانية »
19 شباط 2025

بين أطفالي وأنا حاجزُ

الأوضاع في جنين بعين منسق إدارة الكوارث في الهلال الأحمر وليد أبو الهيجا

يعيش الفلسطينيون في مدينة جنين ومخيمها أياماً صعبة، تذكرهم بالاجتياح الإسرائيلي عام ٢٠٠٢، اقتحام طويل، ودمارٌ كبير لحق بالبنى التحتية، شهداء وضحايا يرحلون بصمت، ومحاصرون ينتظرون الفرج.

وليد أبو الهيجا  (45 عاماً) من مخيم جنين، وهو منسق وحدة إدارة الكوارث التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في منطقة شمال الضفة الغربية، يعيشُ أياما كتلك التي عاشها أثناء اجتياح المخيم الكبير من قبل قوات الاحتلال، وهو الدافع الذي جعله  يلتحق بعدها بجمعية الهلال.

 

زوجة وأولاد

أبو الهيجاء وصف العمل في الوحدة عندما يكون الإنسان متزوجًا ولديه أولاد بالصعب، خصوصاً في فترة الاقتحامات، والتي يضطر فيها للبقاء في مكان العمل لأيام، ويذهب بعدها فقط للاطمئنان على عائلته ثم يعود مجددًا للعمل.

ومن الأمور الصعبة التي يمر بها خلال عمله أنه يتولى الرد على مناشدات الأهالي طلباً للمساعدة، وفي الوقت ذاته، ونظرًا لضغط العمل فإنه لا يستطيع الرد على مكالمات زوجته وأولاده ولا يعلم عن أخبارهم شيئًا وهو ما يسبب له أرقًا وفق قوله.

وأضاف أن رؤيته لطفل مصاب، عندما يصعد هو وزملاؤه لسيارات الإسعاف، تذكره بأطفاله وهو ما يؤثر فيه نفسيًا، وأفاد أنه في أثناء الحدث لا تؤثر فيه ولكن بعد انتهاء الحدث وعندما يعود لبيته تعود كافة المناظر التي يشاهدها لمخيلته فيكون الموضوع صعباً جدًا.

لوليد طفلتين وطفل، لا يستطيع رؤيتهم إلا كل يومين أو ثلاثة، وذلك بسبب الظروف الميدانية الصعبة وخوفًا من إغلاق الطرق، فإنه يضطر للمبيت في المركز، إضافة إلى أن عمله يَكمُن في المناشدات التي تأتي إلى المركزفإنه يُبقي هاتفه يعمل طوال الوقت وحتى خلال فترة تواجده في البيت يبقى هاتفه يعمل.

 

إدارة الكوارث

أبو الهيجاء بين أن مخيم جنين مغلق بشكل كامل، والطرق والبنى التحتية فيه مدمرة حيث دمر الاحتلال "شبكات المياه، والكهرباء، والصرف الصحي"، إضافة إلى نزوح السكان منه إلا من بعض العائلات المقيمة في أطراف المخيم وفي داخله لا يتواجد أحد.

وعن وحدة إدارة الكوارث التابعة للجمعية في جنين، بين أبو الهيجاء أنها عضو من أعضاء لجنة الطوارئ في المحافظة، يقوم عناصرها من خلالها بعمليات تقييم وتلقي المناشدات من العائلات. مضيفًا أنهم يتعاونون بفعالية مع وزارة التنمية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين " الأونروا"، ويقدمون الفرشات والأغطية للعائلات التي لا يستطيع أحد من أفرادها الوصول إليها وبخاصة في المناطق المحيطة بالمخيم، والتي يوجد بالقرب منها جيش الاحتلال.

وأضاف أنهم يقومون بإيصال الطرود الغذائية المقدمة من وزارة التنمية الاجتماعية أو "الأونروا" لهذه العائلات، عقب الحصول على تنسيق، لأنه لا يستطيع أحد الوصول اليها، وأيضًا إيصال أدوية لتلك العائلات المقيمة في هذه المناطق، أو للعائلات في العمارات والأبنية التي يتواجد على أسطحها قناصة الاحتلال، وإيصال أسطوانات الأوكسجين للمرضى في المناطق المحيطة بالمخيم أيضًا.

وشدد على أن هذه العائلات تعتبرُ من العائلات المتضررة من هذا العدوان نتيجة وجودهم في منطقة عسكرية مغلقة لا يُسمح لأحد من أفرادها الخروج، فعكفت الوحدة على إيصال الطعام والشراب والدواء لهم وغيرها من الاحتياجات إضافة لتنقلاتهم إذا أراد أحد منهم النزوح أو نقل مريض للمستشفى.

 

أيام طبية

ولا يتوقف عمل الدائرة على تلبية المناشدات، بل بدأت، وبالتعاون مع دائرة العمل المجتمعي بالجمعية، بتنظيم أيام طبية للنازحين من المخيم، منها يوم طبي في جمعية الكفيف في منطقة المراح، والتي يتواجد فيها نحو 100 نازح، ويوم طبي آخر في بلدية برقين التي يوجد فيها التجمع الأكبر للنازحين من المخيم المقدر بخمسة آلاف نازح.

 

مشاهد تحفرها الذاكرة

مشاهد صعبة تبقى في ذاكرة من يشاهدها، ربما لا يُلحظ أثرها حين وقوعها، ولكن ندوبها تبقى عالقة في الوجدان تؤرق من شاهدها بعد وقت وحين. وهذا ما أكده أبو الهيجا مُستعرِضًا بعض المواقف الصعبة التي مر بها خلال هذا العدوان.

أبو الهيجا استذكر حادثة فقدان أحد المُسنين في بداية العدوان، حينما انتشرت مقاطع لهذا المُسن والاحتلال يُطلق النار بالقرب منه ومن أقدامه، ومن ثم لم يُعرف أي شيء عن مصيره، مشيراً إلى أنهم يوميًا كانوا يقومون بعمل تنسيق للدخول للمخيم والوصول إليه، واستطاعوا الدخول للبيت ليعثروا عليه بداخله، وكان يوجد لديه فقط قليل من الماء وبعض الخضار والفواكه التي شارفت على التلف.

شابٌ آخر في الأربعينات من عمره، انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يُعرف مصيره، مفيدًا الا من بضع نسوة عُدنَ إلى المخيم ليرين بيوتهن خلال الاقتحام، وفي اليوم ذاته قالت إحداهن أنها رأته في إحدى مناطق المخيم، مضيفًا أنهم استمروا بعدها بمحاولات الحصول على تنسيق حتى حصلوا عليه وسُمِحَ لهم بالدخول ليعثروا عليه مُصابًا والرصاصة بفخذه.