الرئيسية » قصص انسانية »
08 تموز 2018

زراعــة الأمــل

رائد النمس:

"لا لن استطيع مواصلة عملي.. لا أقدر على تحمل المزيد". بهذه الكلمات صرخ المتطوع محمد الزعانين (37 عاما)  خلال عمله مع فريق الإسعاف النفسي الأولي، التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

محمد وهو اختصاصي نفسي اجتماعي، تطوع في دائرة الصحة النفسية التابعة للجمعية بعد العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014، وأسوة بزملائه لم يدخر جهدا في تقديم المساعدة النفسية لجرحى مسيرات العودة السلمية، التي انطلقت في الثلاثين من شهر آذار (مارس) من العام الجاري، وذلك وفق خطة طوارئ للتدخل النفسي وضعتها الدائرة من أجل التخفيف عن المصابين، عقب دخولهم المستشفى ومتابعة حالاتهم في منازلهم.

وروى محمد تلك اللحظات بقوله: "شعرت بانهيار عصبي وصدمت من هول المشاهد المؤلمة ونحن نقدم المساعدة للجرحى في إحدى مستشفيات شمال قطاع غزة، وكان ذلك من يوم الاثنين الموافق2018 /5/14 ، عندما ارتطم سريران ببعضهما أثناء نقل الجرحى عليهما، وسط ازدحام شديد في أروقة المستشفى، ما أدى لسقوط الجرحى عن الأسرة وهذا المشهد، وما سبقه من مشاهد لحالات أخرى، جعلتني افقد القدرة على التركيز، وتملكني حزن امتزج بغضب بالغ فتوقفت للحظات عن الكلام، وصرت اتمعن في وجوه زملائي وفي وجوه الأطباء والممرضين والمصابين، دون أن اسمع ما يقولون. شعرت بان الزمن توقف، فمشاهد الدماء هنا وهناك، وانين الجرحى، وبكاء ذويهم، ناهيك عن رائحة الدم التي تفوح في جميع أركان المستشفى ووجوه كل من قدمنا لهم المساعدة النفسية خلال الأحداث.. كلها أصبحت فجأة أمام عيني، فلم استطع التحمل، وصرخت بزملائي قائلا لهم لن استطيع مواصلة عملي هناك، وكدت اسقط لولا أن امسك بي احد أعضاء فريقنا وأخرجني من قسم الاستقبال والطوارئ".

 وقالت زميلته هداية حمد وهي منسقة في  فريق التدخل في شمال قطاع غزة: "فور شعورنا بأن زميلنا محمد قد انهار، خرجنا معه إلى حديقة المستشفى، ووفرنا له سبل الراحة قدر الإمكان واصفا لنا المشهد الذي اثر فيه..  جلست معه، وأخبرته بأنه من الطبيعي اخذ قسط من الراحة والعناية بنفسه حتى يتسنى له الاستمرار في تقديم الخدمة الانسانية."

وعقب محمد: "عملنا في الإسعاف النفسي الأولي مهم جدا. ورغم سهولته الا انه عمل شاق، فنحن نتألم أيضا لما نشاهده من حالات، فهي تظل عالقة في عقولنا حتى بعد عودتنا إلى منازلنا. لقد كنت في بداية الأحداث عصبيا جدا تجاه أطفالي، وكنت اطلب من زوجتي ألا تستقبل ضيوفا، لأنني أريد أن اقضي وقتا مع نفسي، ولكن بفضل الجلسات الدورية التي ينظمها لنا مشرفو الدائرة، استطعت العودة إلى هدوئي، والتعامل مع أسرتي بشكل ايجابي".

وأضاف: "عملنا يعتمد على الاستماع للمصابين، وجعلهم يشعرون بقربنا منهم، الأمر الذي يولد لديهم إحساسا بالطمأنينة، بالإضافة لحرصنا على تواصلهم مع ذويهم  خلال اللحظات الأولى لدخولهم المستشفى، ومن ثم نقوم بمتابعتهم بعد خروجهم منه".

وقال وهو يبتسم بمرارة: "رغم الألم الذي يعتصر قلوبنا جراء من نشاهده، إلا أن زرع بسمة على شفاه جريح، أو سماع ضحكات طفل مصاب، تبلسمان جراحنا.. فعملنا يعتمد على زرع بذور الأمل في قلوب المصابين وذويهم، ولذلك نحن نحب عملنا وسنواصل أداءه رغم الألم".