الرئيسية » قصص انسانية »
01 آذار 2018

هدلا الايوبي،،،القلب المفعم بالانسانية

بقلم :اشرف عباهرة

للمرأة الفلسطينية تاريخ غفل الزمان عن كتابته وتاه بين أوراق السنين ولم ينصف عطاءها ورسالتها التي خطتها منذ أن طمع الاحتلال في أرضنا الفلسطينية، فكان للمرأة الدور الأكثر مشقة في مقارعة الاحتلال بمختلف أشكال وأساليب المقاومة، ليلتصق اسم المرأة الفلسطينية باسم الرجل، ولتكون إلى جانبه في كل مناحي الحياة، انها الاسيرة والطريدة والجريحة والشهيدة، وهي زوجة الشهيد ام الشهيد وبنت الشهيد واخت الشهيد، هي الأم والزوجة والاخت والابنة.. هذه الإنسانة التي لا يمكن أن نغفل اسمها او نمر عليه مرور الكرام، والتي رحلت وعينها ترنو صوب القدس عاصمة الحب والطمأنينة والسلام بنت القدس والتي وهبت نفسها لخدمة الإنسانية بالتحاقها بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في العام 1979 وكانت تعمل جنبا إلى جنب مع الرجل بكل تشكيلات العمل الانساني في الداخل والشتات وتساهم بكل مايقوم به كل أولئك التواقون لعمل الخير وبلسمة جراح شعبهم النازفة، للتخفيف من معاناته في الشتات .. إنها المرحومة هدلا صبحي أحمد الأيوبي ابنة القدس و فلسطين انها الانتماء والروح والفداء، جابت البلاد بعرضها وطولها تحكي لهم قصة امرأة من أب وأم فلسطينية شاءت الظروف والأقدار أن تولد في  وطنها، ولتعيش بعيدة عنه لتحكي لكل من عرفها  قصة وطنها المحتل، ولتبرهن للعالم أجمع أن المرأة الفلسطينية رمز من رموز العمل الإنساني والوطني، حيث عاشت الفقيدة حياة الشتات في لبنان وعانت ما يعانيه شعبها من حروب وقتل وتنكيل ومجازر ارتكبت بحقهم هناك، فعملت إلى جانب أشقائها وزملائها ووهبت نفسها وسخرت كل طاقاتها لتقوم بواجبها تجاه الإنسانية التي انتهكت حينذاك.. لم تكن فلسطين لها مجرد اسم وطن تحلم العيش فيه بأمان وطمأنينة بل كانت فلسطين اللوحة التي يبهرك النظر إليها في كل لحظة لترى من خلالها تفاصيل الحاضر والمستقبل، حيث كان الهوى ورائحة الزعتروالطيون تجتاز حدود العدو لتحمل في ثناياها أخبار الوطن المسلوب وأهله المتعبين.. تحكي لها اشتياق ذاك الوطن لأبنائه المشتتين في مخيمات لبنان وأزقة بيروت وصور وصيدا وطرابلس وتبعث سلام أرواح تجوب سماء الوطن لتصل لأجساد سكنت الغربة تحت الركام والأنقاض بفعل الاحتلال.

كلفت مع زملائها السفر إلى اليونان لتنشئ مكتب اتصال للجمعية لينقل ماساة شعبنا الى دول اوروبا ولتنشر الرسالة الانسانية التي تحملها الجمعية لبلسمة الجراح ولتبدأ حياة جديدة من ماسي الغربة والفراق والألم ولتقرب المسافات التي طالما تمنت أن تقترب من فلسطين، ولكن حكم القدر والاحتلال كان أقوى من كل التمنيات.

هدلا الثائرة من أجل الإنسانية والثائرة ضد كل أشكال القهر والاستبداد الذي عاناه شعبها نتيجة الاحتلال، والتي ملئت شوارع بلاد الشتات بالقصص والحكايات الجميلة المعبرة عن جمال فلسطين وإنسانية شعبها تحمل أملاَ يرافقها في كل خطواتها ومسيرتها الوطنية والإنسانية الطويلة.. انها المرأة التي اختارت أن تكرس حياتها وخدمة أبناء شعبها عبر انتمائها الى الهلال الأحمر الذي انطلق أبناؤه من عتمة الليل وآلامه، ومن بين الازقة الضيقة والبيوت المتراصة، ومن البقعة التي كانت تضيق على اهلها وأحلامهم في المنافي والشتات، ومن الجرح الذي نزف وشكَل حكاية من حكايات الزمن الطويلة. هدلا لم تكن امرأة عادية ولم تكن سنون حياتها عادية لمن لم يعرفها كذلك لم يكن رحيلها الهادئ بالأمر الطبيعي، فهي تاريخ يحكى قصصا للأبناء انها نموذج للمرأة التي ولدت من رحم المعاناة، وهي الإنسانة التي ارتبط اسمها بالإنسانية والهم الوطني، انها المناضلة والصابرة والمرابطة والمثابرة والمكابرة على كل أشكال الألم والحرمان.. انها تحمل عبء أربعين عاما من العطاء والبذل والحب، في زمن القحط انها المرأة التي أخجلتنا بتضحيتها وتمردها على الواقع الذي عاشته من اجل تخفيف الام الآخرين.. انها مثلت فلسطين خير تمثيل بحيث اصبحت سفيرة مثالية للعمل الوطني والانساني..انت التي ترجمت ما قاله شاعرنا الفلسطيني توفيق زياد "أعطي نصف عمري للذي يجعل طفلا باكيا يضحك" فكم أضحكت أولئك الأطفال وخففت من معاناتهم وكنت أما تارة وأختا تارة أخرى، ووهبت مكنون قلبك لهم ولنا، وانت التي استثناك شاعرنا محمود درويش عندما قال.. "بالأمس كنا نفتقد للحرية واليوم نفتقد للمحبة أنا خائف من غد لأننا سنفقتد للإنسانية"، فأنت اليوم وغدا حافظت وستحافظين على الإنسانية، ورسمت من خيوط الشمس أجمل شكل لها.. أنت من تغنى بك الشعراء والفقهاء والأدباء.. وأنت أنت ولا غير سواك.

على رحيلك أيتها الإنسانة المناضلة الثائرة العظيمة سالت دموع القدس بمساجدها وكنائسها وصخرتها وبكاك الزيت والزعتر يابنت الزيتون والقمح والحنون والاقحوان، على رحيلك نعزي أنفسنا أولا والإنسانية جمعاء ونعزي فلسطين التي سكنت روحك الطاهرة التي لطالما أحببتها وأحبتك وناضلت من أجلها ومن أجل أبنائها، وأفنيت سنين عمرك في بلسمة جراح أبنائها النازفة وسنبقى وسيبقى معنا الملايين من محبي الإنسانية نتذكر وفاءك وعطاءك، وسيزيد اعتزازنا بتاريخ امرأة فلسطينية أضافت شكلا جديدا من التضحية والنضال في قاموس كل نساء الأرض وستبقى المرأة الفلسطينية عنوانا لكل قصص البذل والعطاء..سلاما للذين نحبهم سلام، سلام للذين رحلوا عنا سلام.