لم اكن اتوقع ان اكون في يوم من الايام ما انا عليه الان في جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني، متطوعة ثم منسقة لبرنامج الشباب "وكلاء لتغيير السلوك" في شمال الضفة الغربية، فقد كنت تلك الفتاة الخجولة التي عاشت مرحلة دراستها الثانوية بعيدة كل البعد عن الحياة الاجتماعية، لا اتفاعل مع زميلاتي في المدرسة ولا اشاركهن في اي نشاط. باختصار، فقد كنت انطوائية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، الأمر الذي اقلق والدي ووالدتي وأخذا يستاءلان عن: "كيف ستقضي فتاتنا مرحلتها الجامعية وهي الاكثر اهمية من المدرسة والاكثر تعقيداً في مكوناتها".
انتهت المرحلة الثانوية وانتقلت للدراسة في جامعة القدس المفتوحة، وهناك بدأت اشاهد الأنشطة التي ينفذها متطوعو الهلال الاحمر، شدني الأمر فقررت ان اذهب لفرع الجمعية في قلقيلية لتعبئة استمارة التطوع، وفعلاً اصبحت متطوعة في الفرع. اساهم في خدمة الانسانية، واشارك في الانشطة المتنوعة. وقد بدأت مسيرتي التطوعية بتاريخ 9/10/2010 ، وهذا التاريخ لن انساه طوال حياتي، واذكر ايضاً ان اول الانشطة التي شاركت فها كانت انشطة الفرح والمرح التي كنا ننفذها في دار الايتام والمدارس. واستطيع ان اصف مشاعري كيف كانت في البدايات وكأنني ما زلت اشعر بها حتى اليوم. كيف لا وانا الان لست الفتاة الخجولة ولا الانطوائية، فقد اصبحت ارسم البسمة والفرح على وجوه الاطفال، اشاهدهم وهم سعداء يلعبون ويمرحون، فكم هو جميل شعور ان تكون سبباً في سعادة احدهم، تلك هي السعادة المفقودة التي كنت ابحث عنها.
ثم وبسبب نشاطي واخلاصي وحبي للتطوع تم اختياري للمشاركة للمرة الاولى في تدريب ضمن برنامج "الشباب وكلاء لتغيير السلوك" في العام 2012 في المقر العام للهلال الاحمر في البيرة وكانت مدتها عشرة ايام متواصلة ومكثفة، وكانت تلك اول زيارة لي للادارة العامة، حيث تعرفت على دائرة الشباب وعلى زملاء جدد من المتطوعين والمتطوعات.
ولم يتوقف الأمر هنا، بل تم اختياري لأشارك في المخيم الشبابي الذي أقيم في مدرسة "طاليتا قومي" في بيت جالا، ضمن برنامج "الشباب وكلاء لتغيير السلوك". فكانت هذه التجربة غنية جدا حيث ساهمت بشكل كبير في صقل شخصيتي وجعلتني قادرة على العطاء.
وعندما انهى المخيم فعالياته، عدت الى مقر الفرع في قلقيلية وكلي نشاط وحيوية واندفاع لتطبيق ما تعلمته في المجتمع المحلي. وبالفعل قمنا نحن المتطوعين والمتطوعات بتطبيق انشطة المشروع في المدارس والجامعات لصالح فئات عمرية محددة، وكنت اصل الى قمة سعادتي عندما اعرف ان شخصاً من الذي دربتهم قد تغير نحو الأحسن، وهناك قصص كثيرة لأشخاص اعرفهم جيدا،ً واعرف ان طريقة تفكيرهم قد تغيرت وتغيرت معها حياتهم، وذلك بفضل الانشطة والبرامج الموجهة التي ننفذها لصالح أفراد المجتمع المحلي.
ولأن النجاح يتبعه نجاح، تم اختياري لأشارك في دورة تدريب مدربين في مجال نشر وتعميم المعلومات من قبل فرع قلقيلية، وهي من الدورات الاساسية في الجمعية، ومن ثم مثلت دائرة الشباب والمتطوعين وجمعية الهلال الاحمر الفلسطيني في الاردن بدورة عن النوع الاجتماعي، ثم شاركت في دورة تدريبية في الدنمارك، الى ان تم اختياري لأكون منسقة برنامج "الشباب وكلاء لتغيير السلوك" في شمال الضفة الغربية.
هذه المسيرة الغنية في التطوع والعمل الانساني التي ابتدأت منذ العام 2010 وحتى اليوم ساهمت بشكل كبير جداً في انتهاء عزلتي اولاً، وغيرت شخصيتي، ثم مكنتني من السير بخطوات واثقة وثابتة نحو مستقبل باسم مشرق اكون فيه فاعلة في مجتمعي، وأساهم في التغيير والبناء. في البداية كنت اشعر بالسعادة عندما ارسم بسمة على وجه طفل، اما اليوم فسعادتي مضاعفة لأنني اساهم في تغيير حياة انسان نحو الافضل، وهذا فعلاً شعور جميل أعجز عن وصفه.
وفي الختام اقول انني اطلقت على عنوان قصتي هذه اسم "متطوعة استثنائية"، ليس لاني امتلك صفات او مقومات غير موجودة عند الاخرين، بل استثنائية لانني تمكنت من التغلب على الخجل والعزلة والانطواء وأصبحت اجتماعية متفاعلة ومبادرة ومساهمة في التغيير. لقد اصبحت فعلاً المتطوعة مريم تيتي.
انتهى