الرئيسية » قصص انسانية »
11 شباط 2016

تعانق الدموع مع حبات المطر

"أبو عماد العمور 67 عاما"، يعاني من فقدان 70% من نظره، ورغم ذلك كان يعيش في سعادة مع زوجته وابنائه واحفاده الصغار من حوله، الذين يلعبون في باحة المنزل الكبير في منطقة الاوروبي شرق محافظة خانيونس.

 

 كان يعتاد على شرب فنجان قهوته كل صباح، يتذوق فيه اصوات احفاده ، وسط أشعة الشمس الدافئة التي تزين حديقة منزلهم الكبير.


في اواخر العام 2014 حدث ما لا يمكن ان يتخيله "ابو عماد"، حتى في أقسى كوابيسه، فخلال العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة قامت طائرات الاحتلال بقصف منزله. لم يصب احد من افراد عائلته بأذى، لانهم كانوا قد اخلوا المكان بسبب قربه من الحدود الشرقية،  وبعدها بأيام توغلت آليات الاحتلال في منطقة سكناهم، وقامت بتجريف ما تبقى من ركام واثاث المنزل.


بعد انتهاء العدوان رجع "ابو عماد" الى المكان فوجد منزله قد اختفى عن الوجود، أمسك أحد أحفاده بجلبابه وسأله ببراءة: "اين ذهب بيتنا يا جدي؟" ، اعتصر الالم قلبه، وهو صامت يربت على رأس الطفل دون ان يجيبه.


شرع "أبو عماد" بتجهيز ما يمكنه من زوايا خشبة والواح معدنية وقطع نايلون ليستر بها عائلته التي اصبحت بلا مأوى، لاسيما وان المنزل الكبير كان يضم ابناءه المتزوجين، وزوجته المريضة، وهو لا يزال ينتظر توفير منزل بديل له.


وهكذا قضى ايامه وشهوره يتنقل من خيمة غرفة المعيشة، الى خيمة المطبخ، والى خيمة دورة المياه التي تبعد بضعة أمتار عن باقي الخيام.


ومع حلول شتاء هذا العام، وما صاحبه من برودة وسيول ومنخفضات متعاقبة، انهكت اجساد صغار" ابو عماد"، واوجعت قلبه.كانت دموعه تعانق بصمت نقاط مياه الامطار التي غمرت خيمته، وهو يشعر بالعجز حيال ما يعانيه افراد اسرته من برد قارص.


قطع حبل تفكيره صوت حفيده جهاد 6 سنوات وهو يأتي راكضا: "جدي هناك من يسأل عنك .. انهم من الهلال الاحمر الفلسطيني"..
خرج بخطوات متثاقلة الى خارج خيمته وتجمع حوله ابناؤه واحفاده، فوجد اطقم جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني، الذين يرتدون الزي الخاص بهم، فاقترب احدهم منه وقال له بانه وصلهم نداء استغاثة عن وضعه المعيشي، وقد جاءوا لتقديم المساعدة والعون له.


دقائق معدودة مرت وقد انتشر متطوعو الهلال الاحمر في المكان، يمسكون بأوراقهم واقلامهم ويدونون ملاحظاتهم بعد تقييم سريع لما تعاني منه اسرة "ابو عماد"، واهم احتياجاته لتساعده على تحمل هذه الاجواء الصعبة.


ابتسم" ابو عماد" عندما سمع حفيدته فاطمة 11 عاماً تهمس في اذنه بسعادة:" لقد احضروا لنا يا جدي فراشا جديدا واغطية كثيرة وحقائب مدرسية وشوادر جلدية، والمزيد من الخيام والمستلزمات الاخرى ".


وبعد التقييم وتقديم المساعدة اللازمة، واثناء استعداد فريق المتطوعين للرحيل، جاءه احدهم وقال له: " نتمنى لك السلامة يا حاج ابو عماد، وسنتواصل معك مرة اخرى، للمتابعة وتقديم العون لكي تستطيع مجابهة هذا البرد الشديد".


كان لهذه الكلمات اثرها الايجابي في نفسه، وكانت الزيارة بحد ذاتها دعما معنويا لا حد له، حسب وصفه،ووقف مبتسما وهو يمسك بيد احد صغاره ويتابع سيارات الهلال الاحمر الفلسطيني وهي تبتعد. لقد كان يشعر قبل وقت قصيربانه وحيد، ولكنه الان تبين بانه ليس بمفرده في هذه المحنة الصعبة.


ورغم انه لم يكن باستطاعته ان يرى البسمة على وجوه احفاده بسبب ضعف بصره، الا انه استطاع ان يشعر بها الآن على وجوههم ومع اصوات فرحتهم، ووقع اقدامهم وهم يركضون بسعادة حين تسلموا الحاجيات الجديدة من متطوعي الهلال الاحمر الفلسطيني.


انتهى.