مهند عدم
رام الله- ما أن وصلت عبر اللاسكي اشارة الى ضابط الاسعاف رائد الحوتري بالتوجه الى مدخل مدينة البيرة الشمالي (قبالة مستوطنة بيت ايل) حيث تدور مواجهات عنيفة بين شبان وقوات الاحتلال لاخلاء المصابين، حتى بدأت المهمة، مهمة انقاذ باتت اكثر خطورة وصعوبة وسط زحمة السيارات وزخات الرصاص.
لحظة وصوله الى ساحة المواجهات، كان مئات الشبان يتقدمون نحو الجنود وسط اطلاق كثيف للرصاص والغاز. في هذه الاثناء يسقط شاب ملثم بالكوفية، ثم تتقدم سيارة "الحوتري" متجاوزة المتاريس والحجارة وتشق طريقها وسط سحب كثيفة من الغازات المسيلة للدموع التي اطلقها الجنود، يترجل فريق الاسعاف لاخلائه بينما يتقدم "جيب" عسكري نحو سيارة الاسعاف وسط اطلاق الرصاص والغاز لابعاد الطاقم عن الجريح. ينجح المسعفون في ادخال الشاب المصاب الى سيارة الاسعاف التي انطلقت وسط الجنود نحو مجمع فلسطين الطبي (مستشفى رام الله).
وسط الزحام يطلق السائق العنان لبوق سيارة الاسعاف بينما يتضاعف توتره حين وجد نفسه في الزحام ، وبينما ينشغل الفريق الطبي المرافق بانعاش المصاب، يشق السائق طريقا فرعية بالاتجاه المعاكس لحركة السير.
نجح "رائد" بالوصول في الوقت "الذهبي" الى مجمع فلسطين (وهو الوقت الذي يتطلب ايصال المصاب بنزيف في اقل من عشر دقائق الى المستشفى)، ونجح الفريق المرافق داخل الاسعاف بوقف تدفق الدم من الثقب الذي احدثته الرصاصة وبالحفاظ على وصول "الاكسجين" الى رئتي المصاب "احمد" حيث ادخل فورا الى غرفة العمليات بشكل طارئ، وشرع الاطباء بانقاذ حياته، بينما عاد الحوتري وفريقه في مهمة اخرى دون ان يلتقطوا انفاسهم، فالاصابات لا تتوقف على محاور التماس، حيث سجلت جمعية الهلال الاحمر نقل اكثر من 5 الاف اصابة متنوعة حتى لحظة اعداد التقرير!.
ويقول الحوتري (30 عاما) ويعمل منذ 13 عاما في جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني، انه يصارع الزمن "بسيارته"، ويعيش يوميا لحظات تحد ترتفع فيها نسبة افراز هرمون "الأدرينالين" المتدفق في جسده مع خطورة الحالة التي يقلها !.
المهمة الانسانية الخاصة التي تعيشها طواقم الاسعاف بشكل يومي، باتت اكثر صعوبة وخطورة، في ظل استهداف الاحتلال للطواقم الطبية، حيث اصيب "الحوتري" الاسبوع الماضي برصاصة مطاطية بالبطن اثناء اسعافه احد الجرحى في منطقة "بيت ايل" كما نجا من اصابة قنبلة غاز اطلقت مباشرة عليه اثناء دخول مركبة الاسعاف في ذات المنطقة، حيث سجلت جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني منذ بداية احداث شهر اكتوبر 136 انتهاكا ارتكبتها قوات الاحتلال بحق طواقم الاسعاف، منها 66 اعتداء على طواقم الاسعاف (اصابات مختلفة) و32 حالة منع وعرقلة حركة، وتضرر 39 مركبة اسعاف.
في المهمة اليومية التي يصاحبها حرق الكثير من "الاعصاب" في الطرقات، اثناء نقل الاصابات ، يبدي الحوتري اقصى درجات اليقظة والانتباه الى الوقت والى المارة، والمركبات، والى مهمة طاقم الاسعاف اثناء انعاش المريض، والى المريض نفسه خشية التسبب بكارثة، "الا انه يشعر بالسعادة والفخر حين يكون سببا في انقاذ حياة مريض ما يعزز قناعته بعمله رغم خطورته"، كما يقول.
في المهمة الانسانية، هناك ما يبعث على استياء ضابط الاسعاف حين يقوم بعض السائقين بمزاحمة مركبته، والتوقف الخاطئ على المفترقات مما يعيق الحركة ويضيع دقائق ثمينة تسهم في انقاذ حياة المصابين، كما ان وصول عدد كبير من البلاغات الكاذبة، والتي تتسبب بالارباك وتضييع الوقت هي اكثر ما يثير غضب الحوتري.." !
بعد ساعات من ايصال "احمد" الى المستشفى استقرت حالته الصحية، وتلقى ضابط الاسعاف وفريقه الشكر والامتنان من الاطباء لسرعة ايصاله ما ساهم في انقاذ حياته واوقف النزيف بدون مضاعفات، ولكن ومقابل ذلك فان كثيرا من مركبات الاسعاف تخسر "السباق" بسبب عرقلة قوات الاحتلال وصولها الى المصاب بالسرعة المطلوبة او حين تكون الرصاصة قد اصابته في مقتل!
.