الرئيسية » قصص انسانية »
06 آب 2014

محمد العبادلة .. ضحية احتلال لا يحترم القانون الدولي الانساني

رائد النمس


لم يكن يعلم المتطوع محمد احمد مطر العبادلة 28 عاما، بأنه على موعد مع ليلة دامية من القتل والتدمير، عندما تلقى نداء استغاثة وهو في مركز الإسعاف و الطوارئ التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني من قبل أقارب الضحايا في منطقة القرارة شرق محافظة خانيونس التي تعرضت للقصف من قبل الاحتلال الاسرائيلي.


تطوع محمد في الهلال الأحمر منذ أربع سنوات، رغبة منه في تقديم يد العون و المساعدة لأبناء شعبه، وقد خضع شارك لدورات إسعاف متقدمة، عقدتها الجمعية لمتطوعيها، وحرص على ان يلتحق بجهاز الإسعاف و الطوارئ، لقناعته بأنه قد يستطيع يوما ما أن ينقذ حياة مصاب هنا او هناك.


ومنذ اندلاع الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، وإعلان الجمعية حالة الطوارئ، ودع العبادلة زوجته وطفلته الوحيدة البالغة من العمر سنة واحدة، وانطلق مرتديا زي الإسعاف لنجدة وإسعاف الجرحى من المدنيين الذين أصابتهم طلقات وشظايا الجيش الإسرائيلي.


في يوم الجمعة الموافق 25/7/2014 وفي تمام الساعة الحادية عشرة مساء، هرع محمد برفقة زملائه في الإسعاف، وبعد تنسيق مسبق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لإسعاف ونقل احد المصابين والذي ربطه جنود الاحتلال بوحشية بشجرة في منطقة القرارة.


وصلوا إلى مكان الحادث، وابلغهم الصليب الأحمر أن يترجلوا من السيارة مستخدمين مصباح إضاءة يدوي لينقلوا المصاب الذي كان ينزف بشدة، وعندما أصبحوا على بعد أمتار قليلة منه، أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي فجأة النار عليهم بشكل مباشر، رغم ارتدائهم الزي الرسمي للإسعاف، والتنسيق المسبق عبر الصليب الأحمر، وتفاجأ محمد ومن معه بوابل الرصاص الكثيف عليهم، فحاولوا الاختباء وراء الأشجار و البيوت المهدمة، فانبطح أرضا وبدأ يزحف على الأرض محاولا حماية نفسه من الطلقات الحاقدة.
بدأ يصرخ عبر جهاز اللاسلكي الذي يحمله: "لقد أطلقوا علينا الرصاص .. نحن نتعرض لاستهداف مباشر".


وبعد دقيقة صمت حزينة انقطع الاتصال مع محمد فحاول ضابط الشارة في مركز الإسعاف التواصل معه مجددا، ولكن لم يجب محمد، فقد اخترقت رصاصتان قلبه وقدمه، دون شفقة أو رحمة.


سقط جهاز اللاسلكي من يده، وسقط هو أرضا، واختلط زيه الأحمر ذو الشارة الدولية بدمائه المضرجة.. عانقت رمال الأرض أنفاسه الملتهبة، وبدأ ينزف بشدة وينظر إلى الأعلى ويضغط على مكان إصابته، ويشير إلى الرجل المصاب الذي جاء لنقله بصمت، ويقول له بحشرجة وألم ألا تقلق، ومن ثم يعاود نقل عينيه إلى زملائه الذين حاولوا الوصول إليه، ولكن كلما دنوا منه منعتهم الطلقات الغزيرة من الاقتراب.


لم يعلم محمد ماذا اقترف من ذنب كي يتم استهدافه؟ ولم يكن يعرف بان تلك الطلقات لا تفرق بين مسعف أو مدني أو طبيب؟ فقد كان يعتقد بان هناك حماية لعمله الإنساني.
في غضون خمس دقائق وصلت سيارتا إسعاف على وجه السرعة الى مكان الحدث، لإسعاف زميلهم.. صرخوا عبر أجهزتهم مناشدين الصليب الأحمر التنسيق لهم لدخول ارض "معركة" جمعت بين قوات مدججة بالسلاح ومسعف يلفظ أنفاسه الأخيرة.


ثلاثون دقيقة وزملاؤه المسعفون يحاولون الاقتراب منه بكل الطرق، إلا أن رصاصات الجيش كانت لهم بالمرصاد.. فكلما اقتربوا واجههم وابل من الطلقات النارية دون أدنى احترام لعملهم الإنساني.


ثلاثون دقيقة ومحمد ينزف بألم وصمت، وزملاؤه يبكون قهرا وعذابا.. ثلاثون دقيقة وقوات الجيش ترفض دخول المسعفين الى مكان الشهيد، حتى استطاعوا بصعوبة بالغة وضعه على إحدى الحمالات الطبية ونقله في سيارة الإسعاف إلى مستشفى ناصر في خانيونس.


وهناك وصل محمد وسط دهشة وغضب الأطباء والممرضين، فلم يعتادوا يوما أن يروا تلك الحمالة الطبية تحتضن مسعفا مضرجا بدمائه.


وقت قليل حتى لفظ محمد أنفاسه الأخيرة، ورحل وسط ذهول رفاقه في العمل وبكاء محبيه وزملائه المسعفين والمتطوعين.. رحل شهيدا للإنسانية دون أن يقبل طفلته ذات العام الواحد.. رحل وهو يرتدي زي الإسعاف والطوارئ، محمولا على الأعناق، وروحه الطاهرة تحلق فوق سماء القرارة.