رام الله- بات برنامج الإثراء المنزلي، الذي تنفذه جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بوابة المعاقين عقليا للإندماج في مجتمعهم، عبر سلسلة من البرامج والأنشطة، التي تنفذها دائرة التأهيل وتنمية القدرات في الجمعية مع المعاق وذويه ومجتمعه المحيط به.
ومنذ أن طرق البرنامج باب عائلة محمد شهوان، في بلدة حبلة قضاء قلقيلية، حتى بات ابنها أحمد، ابن التسعة عشر عاما، والذي يعاني من إعاقة عقلية متوسطة، فردا فاعلا في المجتمع، يستطيع التعامل مع الآخرين، وقضاء احتياجاته بنفسه.
وقبل أن تدخل الاختصاصية الاجتماعية فوزية حجاوي منزل العائلة، كان عالم أحمد محصورا في المنزل، ومعزولا عن العالم الخارجي، فعلمته الرسم، وكتابة الأحرف، ورافقته في خطوته الأولى، خارج المنزل، والاعتماد على نفسه.
تقول والدته، أم أحمد: "كانت فوزية تعامله كشقيقها، حتى أصبح يصغي إليها في كل شيء، فعلمته الأحرف، والكتابة، واصطحبته إلى الخارج، حيث الناس والمحال التجارية، واستعمال النقود، والتعامل مع أفراد المجتمع".
وأضافت، أن أحمد بات قادرا على الاعتماد على نفسه، والخروج إلى الشارع، وشراء احتياجات المنزل، بل وتعدى الأمر ذلك، حين علمته فوزية حلاقة ذقنه، فأصبح لديه طاقة كبيرة، وقدرة على فعل الكثير من الأمور.
ولم يقتصر تنفيذ البرنامج على أحمد وذويه، الذين تشجعوا لمساعدة ابنهم للخروج من عزلته، ودمجه في المجتمع، بل تعدى ذلك إلى المجتمع المحيط به، فتحول الناس من متهكمين مستغربين لوجود أحمد بينهم، إلى مشجعين ومساعدين له.
وهو ما أكدته شقيقته راوية، التي اكدت إلى ان طريقة تعامل شقيقها معها ومع عائلتها اختلفت كليا، مشيرةً إلى أنه أصبح أكثر تعاونا، وبات يستوعب الأمور أكثر، مما سهل حياته وحياة الآخرين في المنزل.
ولفتت إلى أن جهد الاختصاصية الاجتماعية حجاوي وزملائها في برنامج الإثراء المنزلي، أحدث تحولا في نظرة المجتمع المحلي في الحي الذي يسكنه شقيقها، وفي البلدة بشكل عام، حيث تقبلوا الأمر، بل أصبحوا يساعدون شقيقها ويسهلون مهمته.
بدوره شكر أحمد وعلامات السعادة تعلو محياه، الاختصاصية فوزية، على الجهد الكبير الذي بذلته معه طوال الأشهر الماضية، ومتابعتها المستمرة له، قائلا: " انا بحب خالتو فوزية، وبحب تزورني كثير".
من جانبها أشارت الاختصاصية حجاوي، إلى "أنها عملت مع أحمد على مدار ستة شهور، في مجال العناية الذاتية، واللغة الاستيعابية، واللغة التعبيرية، والتفاعل الاجتماعي، وبعض الأنشطة الأكاديمية مثل الحروف والكتابة".
وأضافت "أنني وبعد الإنتهاء من العمل مع أحمد والعائلة، أقوم بالمتابعة والإشراف على دور العائلة في إكمال ما بدأناه أنا وزملائي، إلى جانب إشراكنا لأحمد بمختلف الأنشطة التي تقيمها الجمعية في مناسباتها المختلفة، كالإحتفالات والرحلات".
التغير الحادث في عائلة شهوان وابنهم المعاق أحمد، لم يختلف عن حال عائلة كامل محمد، في بلدة كفر اللبد قضاء طولكرم، وابنتهم المعاقة عقليا رشا ابنة الاثني عشر ربيعا، والتي تتلقى تعليمها في مدرسة البلدة، وتدرس في الصف الخامس.
وعمل الاختصاصي الاجتماعي معتز جمعة، وزملاؤه في برنامج الإثراء، على مساعدة رشا لدمجها في المجتمع، من خلال المهارات الأكاديمية، والعناية بالنفس، والنظافة، والمهارات الحسابية، والأحرف والأرقام.
وتعدى عمل أحمد ورفاقه مع رشا حدود منزلها، فعلموها التعامل مع بقالة والدها، حيث أصبح بمقدورها التعرف على العملات، وطرق وزملاؤه أبواب مدرستها، فشكلوا لجنة صداقة لها من أقرانها في الصف والمدرسة.
ويقول والدها الحاج أبو عبد الله: "إن حالها اختلف كليا منذ قدوم معتز ورفاقه، وأنه أصبح حافزا أساسيا لها من أجل التطور والدمج في المجتمع، فأصبحت تتجاوب معه، وتتعاون معه، حتى باتت تنتظر قدومه بلهفة".
أما والدتها فأكدت أنها أصبحت من خلال الأنشطة اليومية، التي تساعدها في بعضها، تتعرف على كل شيء حولها، وكذلك في بقالة والدها، بل أن تعاملها مع عائلتها وزملائها تحسن بشكل كبير، حتى قدرتها على الحديث والنطق.
وأشارت رشا وهي تجلس بقرب الاختصاصي جمعة، إلى تحسن مستواها الأكاديمي، وسعادتها لوقوف زملائها في المدرسة إلى جانبها قائلةً: " أنا صرت شاطرة كثير بالمدرسة، وأصحابي صاروا بحبوني كثير".
ومن جانبه أشار الاختصاصي جمعة، إلى "أنه عمل مع رشا على مدار خمسة أشهر، في مجال الأنشطة الأكاديمية والترفيهية، إضافة إلى بعض الأنشطة والالعاب في مجال العضلات الدقيقة، لتصبح لديها القدرة على مسك الأشياء وتحريكها".
وأضاف "أنه وبعد أن كانت تعاني من تشتت كبير في المجالين الأكاديمي والعائلي، بات مستواها الاكاديمي أكثر تطورا، واندمجت في المدرسة وعززنا ذلك بتشكيل لجنة صداقة من الطلبة والمعلمين، وبات لديها قدرة جيدة على الحفظ والتعامل مع الأرقام والاحرف والعملات".
وأفاد عمار الجرمي، منسق برنامج الإثراء المنزلي، في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، إلى أن البرنامج الذي تنفذه الجمعية بالتعاون مع الصليبين النرويجي والسويدي، يتكون من 260 نشاطا، تتركز في مجالات العناية الذاتية، والعضلات الدقيقة، كأنشطة اللعب والكتابة، والعضلات الغليظة، كالركض والركل والتسلق، واللغة التعبيرية، واللغة الاستقبالية والتفاعل الاجتماعي، والاستجابة الحسية.
ولفت إلى أنه بعد عمل المسح الميداني وتحديد المناطق المستهدفة، وتوزيع الأطفال على الاختصاصيين، يبدأ كل اختصاصي بالعمل مع الطفل بمتابعة كاملة من ذويه، وإشاركهم في كل الخطوات، ومن ثم الإشراف عليهم.
أحمد ورشا، مثالين على مئات الأطفال المعاقين عقليا، والذين طرق برنامج الإثراء المنزلي أبواب عائلاتهم منذ العام 2000، وجعل ذويهم شركاء أساسيين في تحلم مسؤولية تنمية قدرات أبنائهم ودمجهم في المجتمع المحلي.