تُمثل مارغريت الراعي، الاختصاصية النفسية بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حالةً من الفرح والامل، لدى الأطفال الأيتام في قلقيلية، وترسم بابتسامتها دائمة الحضور، وما تحمله معها من ألعاب وقصص، لوناً جديدا للحياة بالنسبة لهم.
ثمانية وعشرون طفلا، يعيشون في منزل جمعية دار الايمان لرعاية وايواء الايتام في قلقيلية، يحملون أحلاما كبيرة، ويبحثون عن أبواب أملٍ كثيرة، تنتشلهم من الظروف الصعبة التي وضعتهم فيها الحياة بلا أحبةٍ وأقارب.
حليمة، وهديل، وابراهيم، وغدير، ورأفت، ورفاقهم الآخرون، باتوا يروّن بمارغريت وزملائها، جلال وسامر وايمان، ومن معهم في مركز الصحة النفسية التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في قلقيلية، أملاً لابتسامة قادمة، ومتنفسا للابداع.
وما ان تدخل مارغريت، التي اعتاد رفاقها على تسميتها بـ "ماري" إلى باحة الميتم، حتى تتداعي "الجدّة" أم انس، كما يصطلح أطفال الميّتم على تسمية مربيتهم، بصحبة زوجها "الجد" أبو انس، لاستقبال ماري واستضافتها قبيل دخولها لملاقاة الأطفال.
وما أن تدخل المبنى، حتى يهب الأطفال الثمانية والعشرون، على اختلاف أعمارهم الممتدة من خمس سنوات إلى أربع عشرة، للترحيب بها عبر احتضانها، كما يحتضن الولد أمه أو ابيه، واصطحابها إلى باحات المبنى حتى يخرجون ما في جعبتهم بصحبتها.
الترحيب الحميم بماري، لم يرتبط فقط باطفال الميتم، بل تعدا ذلك للمشرفات المتواجدات معهم في المنزل، فجنان وكلثوم وزينب ووفاء، يتسابقن حالهن حال من يُشرفن عليهم، للترحيب بماري والاستفادة مما في جعبتها من معلومة وفرَح ومرَح.
تلك الحاله الوجدانية، والعلاقة الحميمة بين الجمعية وأسرة ميّتم جمعية دار الايمان، لم تأتِ من فراغ، بل أتت نتاج عمل متواصل منذ ستة أشهر، طرَقت خلالها ماري ورفاقها، ابواب الميتم الموصدة، وقلوبِ اطفاله المُثقلة بالهموم والقضايا.
شكلت ماري بالنسبة للأطفال حضنا حنونا يضمهم، واذنا صاغية تسمع مشاكلهم، و"صندوقا سحريا" يخرج ابتساماتهم من كينونة طالما حُبست فيها، وينشر في أجواء الميتم فرحا قلّما حدث قبل قدومها، ويداً تُكَفكِفُ دموعهم قبيل سقوطها.
وما ان تشرّع "الخاله" ماري، كما يحب الاطفال مناداتها، بطرح ما في جعبتها، حتى ترتسم ابتسامة سحرية على وجوه أطفال الميّتم، استخدمت جلّ خبرتها في عملها النفسي والاجتماعي، لاستخراجها والحفاظ عليها.
وما ان تلمس مشكلة عند بعضهم، حتى تصطحبه إلى غرفة أخرى، وبعد استماع وحوار بينها وبينه، ونقاشٍ مبني على تفريغ نفسي تتقنه، حتى تعود مصطحبةً اياه، والابتسامة تعلو مُحيّاه، حاله حال بقية الزملاء.
عالم الأطفال في الميتم، كما تصفه الطفله حليمة ابنة الثماني سنوات، كان قبل قدوم طواقم جمعية الهلال، محصورا بين المنزلِ والمدرسة، وأفق احلامهم لم يكن يتعدى الشارع الاسفلتي الذي يخترقُ الزقاق ليصلهم بها، وإن جاوز ذلك فإنه لا يتعدى بقالةً في الجوار.
وأشارت حليمة، التي كانت عيناها تنطق قبل لسانها، إلى ان ماري والرفاق في جمعية الهلال الأحمر، وّسعوا معالم عالمِ أطفال الميتم، وفتحوا أبوابه على الحياة، عن طريق الأنشطة الترفيهية والتربوية، والأيام المفتوحة المليئة بالفرح والمرح.
حليمة، التي كانت تلهو بالعاب "الليجو"، رسمت نفسها بلوحة تعبيرية كانت وليدة اللحظة، وعند سؤالها كيف كنتِ قبل الخالة "ماري"، سارعت إلى رسم معالمِ الحزن على مُحياها، في صورة كادت تبكي زملاءها، رغم أنها مُفتعلة.
وعند سؤالها كيف أصبحتِ بعد قدومِ الخالة ماري ورفاقها، رسمت ابتسامة تخطت حدودها جدران الميتم، وسط فرحٍ وموافقةٍ كبيرة من زملائها وزميلاتها، الذين بدأوا بالصياح موافقين ما قالته حليمة، ومطالبين بمزيد من الوقت مع الخالة "ماري" ورفاقها.
ولم يقتصر دور مارغريت، وزملائها، على رسم الابتسامة ومعالجة الهموم، بل تعدى ذلك إلى نتائج ايجابية في التحصيل العلمي للأطفال الأيتام، وهو ما أكدته الطفلة غدير، الطالبة في الصف الخامس، التي اشارت إلى بدء تحسن تحصيلها العلمي، منذُ بدأت الجمعية العمل في الميتم.
وهو ما اكده يوسف نزال، أحد إداريي الميتم، الذي أثنى على الجهد الكبير الذي يبذله اختصاصيو الهلال مع الأطفال والمشرفين والإداريين في الميّتم، والذي كان له الأثر الكبير على كافة مناحي حياة الأطفال ومن يهتم لأمرهم.
وأشار إلى أن جمعية دار الايمان التي تأسست في العام 1997، استطاعت بمساعدة الاختصاصيين التابعين للهلال الاحمر، فتح أبواب الميتم على المجتمع المحلي، ونسج علاقات مميزة مع المؤسسات الاخرى، وكسر الحواجز مع العالم المحيط.
وناشد نزال السلطة الوطنية الفلسطينية، والمؤسسات المعنية بالأطفال والأيتام، مساعدة جمعية دار الايمان التي تعتمد على مساهمات اهل الخير، من أجل رسم مستقبل أفضل لحليمة وزملائها، وإعطاء فرص حياة كريمة لأيتام آخرين عبر استيعابهم في الدار.
بدورها أكدت المشرفة، جنان جلال، على الأثر الايجابي الكبير الذي أحدثته مارغريت ورفاقها على أسرة الميتم، مشيرةً إلى اكتسابها مهارات جديدة، اثرت بشكل كبير في تطور علاقتها وتعاملها مع الأطفال، وحل مشاكلهم.
من جانبها أشارت زميلتها زينب عواد، إلى الايجابية الكبيرة التي اصبح يتعامل فيها الأطفال مع مختلف الامور من جهة، وإلى الايجابية والحميمية الأخرى التي باتت تطغى على علاقتها وزميلاتها بهم، والطريقة المهنية المتبعة في استيعابهم والتعامل معهم ،من جهة أخرى.
ومن ناحيتها أعربت الاختصاصية مارغريت الراعي، التي تعمل في الهلال منذ خمس سنوات، عن سعادتها الكبيرة لما تلمسه من فرحة لدى الأطفال، وتفهم وتعاون كبيرين من أسرة الميتم، مشيرةً إلى فخرها وزملائها بالتطور الحاصل في المنزل من كل النواحي.
بدوره أشار جلال عودة، منسق مركز الصحة النفسية التابع للهلال الأحمر في قلقيلية، إلى ان العمل في ميتم جمعية دار الايمان، جاء في إطار خطة اعدها الطاقم لتعزيز العلاقة ما بين الهلال الأحمر والمؤسسات الأخرى في المحافظة.
وأشار إلى أن هذه الخطة تطبق على هامش برنامج الدعم النفسي الاجتماعي الذي تنفذه جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، في مناطق طوباس وقلقيلية وجبع والخليل وطولكرم والقدس منذ العام 2003، ويستهدف الأطفال في الصفين الخامس والسادس، ومعلميهم، وذويهم، والمجتمع المحلي المحيط بهم، بدعم من المفوضية الاوروبية للمساعدات الإنسانية.