الرئيسية » قصص انسانية »
07 حزيران 2011

برنامج التربية الخاصة المجتمعي – مد الجسور وتحطيم الحواجز

يقوم برنامج التربية الخاصة المجتمعي، الذي وضعته جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في عام 2000 عبر شراكة مع جمعية الصليب الأحمر النرويجي بتوفير فرص جديدة للأطفال الفلسطينيين ذوي الإعاقات العقلية والجسدية، لينضم الى دعم هذا البرنامج الصليب الاحمرالسويدي في العام 2009.

ويعمل هذا البرنامج الذي يشكل جزءاً من دائرة التأهيل وتنمية القدرات مع أشخاص يعانون من إعاقات عقلية وذلك في بيوتهم، ويركز على تنمية مهارات الحركة والرعاية الذاتية والمهارات الأكاديمية والإدراك الحسي والتفاعل الاجتماعي.

وإلى جانب العمل مع الأفراد المشاركين في البرنامج، يسعى برنامج التربية الخاصة المجتمعي كذلك إلى تثقيف أفراد أسرة المعاق للصعوبات والتعقيدات المترتبة على العيش مع طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد تسنى للبرنامج بفضل سعيه لزيادة فهم طبيعة التخلف العقلي، تحسين نوعية حياة كل من الطفل المعاق وأسرته. ويعتمد هذا البرنامج نهجاً استباقياً وفعالاً للتكيف مع الإعاقة العقلية على المستويين الفردي والمجتمعي.

بدأ البرنامج بتحديد عدد من المواقع المستهدفة في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومن ثم عكف على تعيين ختصاصيين اجتماعيين للعمل مع حالات ومع أسر معينة. ويقوم هؤلاء الاختصاصيون الذين يعملون بصفة رئيسية مع أطفال دون الثامنة عشرة من عمرهم بتشخيص كل حالة فردية على حدة وبوضع خطة تلائم احتياجات الطفل وقدراته، وغداة هذا التشخيص الأولي تبدأ مرحلة التدخل التي تستمر مدة ستة أشهر بالتعاون مع الاختصاصيين الاجتماعيين وطواقم المتطوعين وذلك في منزل الطفل وبوتيرة تراوح بين مرتين وثلاث مرات أسبوعياً يتم خلالها العمل مع كل من الطفل وأسرته.

وانطلاقاً من وعي الاختصاصيين في الجمعية بالطابع الشخصي جداً للإعاقة العقلية، فإنهم يعملون استناداً إلى إطار فردي يعدّ خصيصاً لكل طفل مركّزين على المهارات والقدرات التي يكون بمقدوره اكتسابها بحسب درجة إعاقته كما يعملون في الوقت نفسه مع أفراد أسرته لتمكينهم من مواصلة العمل الذي يبدأه الاختصاصيون بعد أن تنتهي الأشهر الستة المخصصة للتدخل. وغداة انتهاء فترة التدخل الأولي ينظم الاختصاصيون زيارات متابعة منتظمة للمنازل في إطار سعيهم لإشراك الأسرة في تأدية دور رئيسي على صعيد تنمية طفلها.

وقد يتخذ العمل في إطار هذا البرنامج أشكالاً عدة، إذ تم تطوير ما يربو على 260 نشاطاً تركز على الرعاية الذاتية والنظافة الشخصية والمهارات الحركية الدقيقة من خلال الألعاب والكتابة والمهارات الحركية الغليظة كالركض أو التسلق والتطوير الأكاديمي والمهارات التعبيرية والإدراكية والتفاعل الاجتماعي. وفي عام 2010، نظم اختصاصيو التأهيل في الجمعية أكثر من 3200 زيارة منزلية خصوا بها الأطفال المشاركين في البرنامج الذين يفوق عددهم 235 طفلاً في 33 منطقة مستهدفة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويوظف هذا البرنامج 21 اختصاصي تأهيل في الأرض الفلسطينية المحتلة كما يعمل فيه أكثر من 20 متطوعاً لتنفيذ سائر الأنشطة مع الأطفال المعاقين وذويهم.
وثمة مجال آخر بالغ الأهمية في إطار هذا البرنامج يتمثل في إمكانية إعادة دمج الأطفال الفلسطينيين ذوي الإعاقات العقلية في مجتمعاتهم. وفي هذا الصدد، نظم طاقم التأهيل العامل في البرنامج ما يربو على 37 نشاطاً وحدثاً فريداً من نوعه في عام 2010 شارك فيها نحو 2200 طفل (من ذوي الإعاقات ونظرائهم غير المعاقين) كما شاركت فيها أكثر من 340 أماً.

وفضلاً عن تنظيم هذه النشاطات والفعاليات، تُبذل الجهود بغية إلحاق هؤلاء الأطفال بنظام التعليم الفلسطيني (رياض الأطفال والمدارس الابتدائية) وإشراكهم على نحو نشط في مجتمعاتهم مما يتيح مشاركة الطفل الفعالة ضمن مجموعة نظرائه والنهوض بالتفاعل الاجتماعي وزيادة الوعي بهؤلاء الأطفال خارج نطاق أسرهم. وقد حظيت عملية الانتقال هذه بالدعم بفضل إنشاء 22 لجنة تعرف باسم "أصدقاء المعاقين" يشارك فيها أكثر من 100 طفل. وتسعى هذه اللجان إلى تيسير دمج الأطفال المعاقين في المدارس والمجتمع عبر توفير مصدر دعم لهم إذ تعكف على مساعدتهم على تأدية بعض المهام اليومية كعبور الشارع والذهاب إلى البقال أو حضور الشعائر الدينية. وتتيح مشاركة لجان الصداقة أيضاً مد الجسور بين عالم الإعاقة العقلية الذي لا يحظى بقدر كبير من الفهم وبين المجتمع الأوسع نطاقاً، إذ ينادي أعضاء هذه اللجان داخل المدارس والمجتمعات بأهمية حقوق ذوي الإعاقات كما ينشرون المعلومات بشأن طبيعة الإعاقة.

وفضلاً عن العمل ضمن الأسر والمجتمعات، تنظم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وموظفوها ومتطوعوها أنشطة واحتفالات متنوعة لتشجيع التفاعل بين الأطفال الملتحقين بالبرنامج. ومن الأحداث الكبرى المنظمة في إطار البرنامج سلسلة من المخيمات الصيفية السنوية، إذ قام البرنامج في عام 2010 بتنظيم 10 مخيمات صيفية في شتى مناطق الضفة الغربية بمشاركة نحو 1400 طفل وما يربو على 400 موظف ومتطوع.

وكمثال على مدى أهمية ونجاح برنامج التربية الخاصة المجتمعي، نورد حالة أسيد شيخ عبد من قرية بيتا قرب نابلس الذي يعاني من إعاقة عقلية وكان يعتبر منبوذاً على صعيد أسرته والمجتمع عموماً قبل أن تبدأ طواقم الجمعية بالعمل معه، إلا أنه حقق قدراً هكبيرا من التقدم خلال الأشهر الستة من العمل مع طواقم الجمعية كما اكتسب المهارات الضرورية للحصول على وظيفة في مصنع 'ينابيع' للمياه المعدنية القريب من بيتا حيث يعمل منذ ما يزيد على عام كامل وبات يكسب قوته بعرق جبينه ويسهم إسهاماً ذي مغزى في تحسين رفاه أسرته.

ويقول رئيس بلدية بيتا، السيد فائز حمايل، إن تحسناً واضحا طرأ على وضع أسيد بعد أن انخرط في هذا البرنامج، إذ تسنى له أن يصبح عضواً فاعلاً في أسرته وفي مجتمع بيتا عموماً رغم إعاقته. وأضاف السيد حمايل قائلاً إنه لو كان سُئل غداة توليه منصبه عن عدد الأشخاص في بلدته الذين يعانون من أحد أشكال الإعاقة لكان قال إن عددهم لا يفوق أربعة أو خمسة أشخاص، بيد أن مسحاً لذوي الإعاقة في بيتا كشف عن وجود أكثر من 140 شخصاً يتعايشون مع أحد ضروب الإعاقة. وقد اعتمدت البلدية نهجاً استباقياً وفعالاً للغاية لضمان أن يؤدي هؤلاء الأشخاص دوراً فاعلاً في المجتمع، إذ أشار السيد حمايل إلى أن نسبة تفوق على 30% من موظفي البلدية هم من ذوي الإعاقات.

وبفضل النجاح الذي حظيه برنامج التربية الخاصة المجتمعي في الأرض الفلسطينية المحتلة، يجري حالياً العمل على إعداد نسخة تجريبية من البرنامج بغية تطبيقها في مخيم صبرا وشاتيلا في لبنان، إذ باتت المهارات والخبرات التي تولدت لدى طواقم الجمعية في هذا المضمار تتيح بلوغ الأطفال الفلسطينيين في الشتات الذين يعانون من إعاقات عقلية بغية تحسين وضعهم وأوضاع أسرهم ومجتمعاتهم عموماً.