الرئيسية » قصص انسانية »
08 آذار 2016

زينب وملَك

 رائد النمس

تعمل مئات الموظفات في جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني على تقديم الخدمة الانسانية والمجتمعية للمواطنين من مختلف الاعمار، وبهذا الجهد يضفن بشكل يومي سطرا جديدا من سطور العطاء في صفحات الجمعية، واحد هذه النجاحات قصة المعلمة "زينب ابو شباب" التي تعمل في دائرة التأهيل في خانيونس، حيث كان لها بصمة غيرت مجرى حياة الطفلة ملك المجايدة ذات الثلاثة عشر ربيعا.

 

بدأت القصة عندما رفضت احدى المدراس مواصلة التحاق "ملك" بفصولها الدراسية وتحديدا في الصف الاول الابتدائي، بسبب معاناتها من اعاقة ذهنية تعيق استيعابها، وبسبب مشكلة في النطق، مما يجعل من المستحيل استيعابها للدروس التي يتلقاها اقرانها في المدرسة.

 

شعر والدها بالعجز وهو يرى ابنته الصغيرة على مسافة قصيرة من ضياع مستقبلها التعليمي، وشاءت الاقدار ان يتوجه بها الى مقر جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني في خانيونس كي يساعدها عبر برامج التأهيل هناك.

 

في عام 2010 شخصت المعلمة زينب ابو شباب وفريق عمل من دائرة التأهيل حالة الطفلة ملك، حيث أنها تتأخر في استيعال الامور، وتحمل سلوكا عدوانيا، أضافة الى عدم الاتزان، والحركة الزائدة، تؤثر جميعها في قدرتها على التعلم والنطق.  

 

اشرفت زينب على حالة ملك، وتابعت معها رحلة العلاج والتعلم خطوة بخطوة، وبدأت بتطبيق برنامج مكثف، تضمن دمجها مع اطفال اصحاء، وتدريبات مستمرة على الهدوء لفترات زمنية متفاوتة، واستخدام مجموعة من الوسائل اللامنهجية مثل الالعاب والرسم والتلوين والمشاركات الجماعية مع الاطفال.

 

تشير زينب الى ذلك بقولها: "كانت ملك تعاني من فقدان الثقة بنفسها والخوف الشديد من المجتمع، بسبب عدم قدرتها على الاستيعاب والنطق، واحساسها بانها غريبة ومختلفة عن باقي الاطفال". وتضيف: "عملنا منذ البداية على تعزيز ثقتها بنفسها اولا، ودعم قدراتها كي تكون قادرة على المشاركة مع الاطفال في اللعب والاستماع والتحدث. وفي اوقات عديدة اسند اليها دور قيادة فريق الاطفال، كي تشعر بانها لا تختلف عن أي من الاطفال".

 

وبعد عامين اصبح لدى ملك القدرة على الاستيعاب البسيط، وباتت تستطيع التحدث بكلمات واضحة، وتقوم بتركيب بعض الجمل القصيرة، ومحادثة افراد عائلتها بلهجة مفهومة الى حد ما.

 

وتعقب زينب قائلة: "انتقلنا مع ملك الى مرحة جديدة، وهي اشراكها في البرنامج التعليمي، الذي يتضمن قراءة وكتابة الحروف والكلمات والمقاطع، إضافة الى الشروع بتعلم العناية الذاتية بالمظهر والنظافة الشخصية، الى جانب تقوية الجانب الاجتماعي لديها عبر اشراكها في أنشطة الجمعية، وتعزيز مهاراتها الحركية واللغوية والادراكية من خلال انشطة التعلم على الكمبيوتر والالعاب وقراءة القصص".

 

في اواخر العام 2014 عقد فريق العمل جلسة تقييم جديدة للطفلة ملك لتحديد المستوى الإدراكي والتعليمي الذي وصلت اليه، فكانت النتيجة بانها اصبحت قادرة على التحدث بطلاقة ، وبإمكانها قراءة القصص والرسم والتلوين واجراء بعض العمليات الحسابية. وبناء على نتائج الجلسة تم الحاقها في الصف الثالث الابتدائي في مدرسة التأهيل، وشرعت بتلقي الدروس التعليمية وفق المنهاج المعتمد من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، حيث كان استيعابها جيدا، ومشاركتها فاعلة.

 

اغرورقت عينا المعلمة زينب بالدموع وهو تقول: "لا استطيع ان اصف لكم مقدار سعادتي وانا ارى ملك اليوم وقد استعادت ثقتها بنفسها، واصبحت قادرة على الكتابة، وقراءة الدروس والقصص. لقد عملنا بكل جهد من اجل مستقبل هذه الطفلة، ونحن نرى اليوم ثمرة هذا الجهد امام اعيننا".

 

 ويصف والد ملك هذا التحول الذي طرأ على ابنته بقوله: "لقد كانت في البداية تشكل قلقا بالغا لدينا في العائلة، سلوكها العنيف وعدم قدرتنا على التواصل معها، وكنا قلقين من اجلها، اما اليوم فقد اختلف الامر، فملك تستقبل ضيوفنا بأجمل العبارات، وباستطاعتها اعداد الشاي والقهوة. واسعد لحظاتي  سماعي لها وهي تقرأ القصص بصوت عال، وكأنها تعوض ما فاتها من لحظات تلعثم وصمت، وهذا بفضل جهد معلمتها وطاقم التأهيل".

 

التقيت الطفلة ملك اخيرا، وسألتها عن تجربتها مع جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني فأجابت بخجل طفولي: "لقد علموني كل شيء، واصبحت الان قادرة على القراءة والكتابة، واستطيع ان ارسم منزلا وشجرة ووردة". وتنظر الى معلمتها زينب ببراءة وتقول: "احب الجلوس مع معلمتي زينب ومع اصدقائي في مدرسة التأهيل، فلقد تعلمت منهم الكثير، وابي الان سعيد جدا مني".

 

نروي هذه القصة تزامنا مع يوم المرأة العالمي، الذي يصادف في الثامن من شهر اذار في كل عام، وتجسيدا لعطاء واخلاص موظفات الهلال الاحمر الفلسطيني، فكل التحية والتقدير للمرأة العاملة في الجمعية، وفي كل الميادين.

 

انتهى.