الرئيسية » قصص انسانية »
16 آذار 2025

أطفال يعانون ورجال يكابرون

عن تدخلات "الهلال" النفسية في شمال الضفة الغربية

تعيش مدن شمال الضفة الغربية، وتحديداً مناطق جنين وطولكرم وطوباس، عدواناً إسرائيليا متواصلا، منذ نهاية شهر كانون الثاني المنصرم، شهداء وجرحى، تفجير ودمار، ونزوح عشرات الآلاف، ومصير مجهول حتى اللحظة.

وتزامناً مع تواجد طواقمها في الميدان، لتقديم خدمات الإسعاف والطوارئ من جهة، وتقديم خدمات الإغاثة للمحاصرين والنازحين من جهة أخرى، تعمل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني على معالجة الآثار النفسية للعدوان الاسرائيلي المستمر في شمال الضفة.

منسق الصحة النفسية في الجمعية في مدينتي جنين وطولكرم يوسف أبو فرحة، بيّن أن الدائرة بدأت عملها بتنفيذ برامج للدعم النفسي المبنية على المجتمع المحلي، حيث كانوا يعملون مع طلبة المدارس، ومع أهاليهم من خلال برنامج جسر المحبة، ثم توسع عملهم وقدموا خدمات أكثر لليافعين والشباب، إضافة للعمل المدمج مع دوائر أخرى منها دائرة التأهيل ومع كافة الاختصاصات، وأيضًا مع المتطوعين ودائرتي الإسعاف ومواجهة الكوارث.

 

تدريب المتطوعين:

وأشار أبو فرحة إلى أن تركيزهم الحالي يَكمُن في تدريب متطوعين لتقديم خدمة الإسعاف النفسي الأولي لأكبر عدد ممكن من المواطنين وسريع، حتى وإن كان هناك إغلاقات وذلك حتى يستطيع أهل البلد أنفسهم تقديم هذا الجانب من الخدمات

وأفاد أن عملهم ينفذ بطريقتين حيث يقدمون خدماتهم للمواطنين بشكل مباشر من خلال خدمة الإسعاف النفسي الأولي وبرامج الجمعية المعنية سواء تلك التي تتعلق بزوايا الأطفال أو اليافعين والعمل ضمن برنامج جسر المحبة، مضيفًا أن لديهم خدمة تدريب أكبر عدد من كوادر المجتمع المحلي على الإسعاف النفسي الأولي، وتتعلق بكيفية تعزيز الصمود لديهم.

 

الإسعاف النفسي الأولي:

وحول طبيعة عملهم في ظل اجتياح الاحتلال المتواصل للمناطق المختلفة، لفت أبو فرحة إلى أن هذا الوضع فرض عليهم التركيز على خدمة الإسعاف النفسي الأولي للمواطنين الذين نزحوا من منازلهم وربطها بالخدمة من خلال محاولة إعادة الهدوء النفسي لهم والاستقرار وخلق حالة التوزان والفعل، مبينًا أن طواقم الهلال، سواء الموظفين أو المتطوعين، عملوا ضمن استنفار تام للوصول لكافة المواطنين النازحين وذلك بالشراكة مع فريق الدعم النفسي في طولكرم وجنين. 

وأضاف أبو فرحة أن من طبيعة عملهم أيضاً التنسيق مع جهات الاختصاص، سواء في الهلال الأحمر أو خارجه، وذلك لتوفير الخدمة للمواطنين والتسهيل عليهم وربطهم بالخدمات.

 

الاجتياح الأكبر:

وأوضح أبو فرحة أن أثر الاجتياح الاسرائيلي هذا كان وقعه اشد لى المواطنين من سابقاته، لأن تقديم خدمة الإسعاف النفسي الأولي لأُناس يحصلون عليها للمرة الأولى يتطلب تقنيات جديدة وإن لم يطل الأثر ويستغرق مداها وقتا أطول.

ولفت إلى على أنه بسبب الأزمات والاقتحامات المتكررة لا يمكن إعطاء المواطنين حالة من الشعور بالأمان والأمل بالمستقبل بسبب تكرر الاحداث. مشيراً إلى أن عملهم يتركز على تعزيز الصمود لدى المواطنين، من خلال أساليب أمكن اتباعها قبل الاجتياحات وخففت من وقع آثارها على المواطنين والأطفال.

وقال أبو فرحة: " إن تقديم خدمة الإسعاف النفسي الأولي، عبر مجموعات، أعطى نتائج إيجابية فضلى، حيث بات على المواطنين أن يدعم بعضهم بعضاً ويتبادلون سوية التجارب والخبرات"، مؤكدًا أن هناك صعوبات واجهتهم وذلك بسبب تكرار الأحداث، وخاصة أنها ما زالت متواصلة حتى الآن.

 

خصوصية الأطفال:

وأردف أبو فرحة أن الأطفال يمكن العمل معهم وفق أعمارهم، فلا يمكن مخاطبة الطفل كمخاطبة المواطن الراشد، كما أنه هناك حاجة في بعض الحالات لتدريب المواطن الراشد على كيفية التعامل مع الأطفال خلال الأزمات والضغط النفسي.

 

العمل عبر تطبيق "الواتساب":

وأفاد بأن الكثير من المواطنين طوروا قدراتهم نتيجة الجلسات المتكررة، وهو ما أكسبهم خبرات مكنتهم من المساهمة في خدمة المجتمع، مثل المتطوعة آلاء من حي الجابريات في مخيم جنين حيث قامت خلال الاجتياح بعقد جلسات إسعاف نفسي أولي للنساء عبر مجموعة على تطبيق "الواتساب" عن كيفية تعزيز صبرهن وتعاملهن مع أطفالهن وملء أوقات فراغهم فكان دورها رائعًا.

ولفت أبو فرحة إلى أن العمل مع الرجال يكون أصعب من فئة النساء لأن هناك مُكابرة على الألم والجرح. ولكن خلال هذه الأزمة كان هناك الكثير من الرجال الذين ظهروا في حالة انهيار نتيجة الضغط، والتي كانت واضحة على وجوههم وعلى سلوكهم والتي لا يمكن إخفائها كسابقاتها.

وأشار إلى أنه تم العمل معهم حول كيفية عدم انعكاس هذه الأزمة النفسية على عائلاتهم وأطفالهم، وكيف يمكنهم استمداد تمسكهم بالحياة من خلال عائلاتهم، لان عليهم التذكر أنهم جلهم ضحايا للاحتلال، وعليهم استيعاب عائلاتهم لأنهم يعتبروا الأفراد الكبار لديهم همة بهم رغم أن الحِمل ليس سهلاً.

وأكد أبو فرحة أنه في هكذا ظروف يفقد الإنسان الضبط الانفعالي الخاص به وتوازنه النفسي، ويكون بحاجة للحظات الأولى لمن يحاول إعادة توازنه النفسي وانضابط الانفعالي بشكل منطقي وليس بردود أفعال يمكن أن تضره وأطفاله. مبينًا أيضاً أن المواطنين باتوا يدركون أهمية الصحة النفسية، وفي ظل الأزمة باتوا يطلبون جلسات تفريغ نفسي لأطفالهم ولهم

وختم أبو فرحه حديثه بالقول إن طواقم المتطوعين يعملون بشكل فعال وبالتزام مبدئي واندفاع لتقديم الخدمة للمجتمع، وهو ما شجع الكثير من الفتيات على التطوع في دائرة الصحة النفسية، مشيراً إلى أنهم سيعملون عقب انتهاء الاجتياح على تدريب فريق آخر من المتطوعين في جنين.