الرئيسية » قصص انسانية »
11 آذار 2025

توفيق كانوح: سائق سيارة الدفع الرباعي

ظهره للجنود ووجهه للمخيم ..

طولكرم

يديرُ توفيق كانوح، ضابط الإسعاف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ظهره لجنود الاحتلال الذين يصوبون بنادقهم تجاه النازحين المهجرين من مخيمه، مخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين في طولكرم، ينظر للمخيم المدمر، يراقبُ النازحين الملتفتين لبيوتهم، يتمنى ألا تكون النظرة الأخيرة.

جارة مسنة عاشت عمرها في المخيم، كانت تحلم بأن تكون مغادرتها له تجاه بيتٍ هجر أهله منه في الأرض المحتلة عام ١٩٤٨، لم تتخيل أن تعيش نكبة أخرى. يمد توفيق يده إليها للمساعدة، يتمنى هذه المرة لو أنها بقيت في المخيم.

طفلةٌ أخرى كبرت بأحلام كبيرة، تعايشت مع أزقة المخيم لحين العودة، لكنها لم تتخيل أن تعيش مع  ما قالته لها جدتها عن آلام النزوح والهجرة، يساعدها توفيق على عبور طريق دمرته جرافات الاحتلال، يحاول التخفيف من وطأة طوفانٍ بشري يجرف أحلام المخيم.

لم يسبق لتوفيق أن عاش أحداثاً مشابهة، منذ أن تطوع في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في العام 2000، وتدرج في طواقمها حتى صار ضابطاً في مركز الإسعاف والطوارئ التابع للجمعية، كأننا نعيش مسلسلاً أو فيلماً رأيناه سابقاً يتناول النكبة وفق ما يقول.

وقال: "كأنه السيناريو نفسه الذي حدثنا عنه الأجداد حول النكبة والتهجير، فكأنه السيناريو نفسه يتكرر حاليًا، بل إن الوضعَ يبدو وكأنه أكثر صعوبةً وقساوة. هنا تربينا، وهنا نشأنا، هذا جاري يحمل أطفاله ويغادر، وتلك صديقة جدتي ينفطر قلبها لمغادرة المخيم".

وأشار إلى أن الاحتلال أجبر السكان على النزوح من مخيمي مدينة طولكرم، فيما واصل زملاؤه في الهلال الأحمر على التعامل مع العديد من الحالات الإنسانية من مرضى وكبار في السن، وغيرها من الحالات.

وأضاف توفيق: "عملنا على مساعدة النازحين والحالات المتواجدة داخل المخيم، وذلك على الرغم من الصعوبات الجمة التي نواجهها، منها عدم قدرة سيارات الإسعاف العادية على التنقل نتيجة تدمير الطرق، ما اضطرنا إلى استخدام سيارات الدفع الرباعي و"التوك توك" المجهز بالمعدات الإسعافية، في محاولة لتسهيل مساعدة الناس".

 

سيارات دفع رباعي

تستخدم سيارات الدفع الرباعي "الدباب" في العادة لأغراض ترفيهية، يستقلها المتنزهون لاستكشاف الأماكن الطبيعية ذات المسالك الوعرة، والتي لا تستطيع السيارات العادية سلوكها، إلا في شمال الضفة الغربية فهي تستخدم للإنقاذ بعد أن دمر الاحتلال الطرق.

صار توفيق، سائق سيارة الدفع الرباعي الصغيرة، معروفاً في أزقة مخيمي نور شمس وطولكرم، فهو رجل المهام الصعبة، الذي يعمل لإنقاذ العالقين في الأزقة، ويساعد النازحين على نقل متاعهم بعد أن دمر الاحتلال بيوتهم في المخيم.

وقال: " الكلمات لا يُمكنها التعبير ووصف صعوبة الوضع، ولا يمكن لأحد أن يشعر بما أقوله إلا من يعيشه، حيث حاجة الناس للمساعدة، فأنا المسعف الوحيد الذي لديه القدرة على قيادة مركبة الدفع الرباعي، كما أنه لدي المعرفة الكبيرة بالمخيم وبيوته وأهله، فأنا ابن هذا المخيم، وهذا ما يعطيني حافزًا لعدم ترك المخيم الذي أقطن فيه عندما يحتاجه".

بين العائلة والواجب

لم ير توفيق والديه وعائلته منذ ثلاثة وعشرين يومًا، فهو ترأس عمله منذ بداية الاجتياح المتواصل لمدينة طولكرم، في حين يذهب لرؤية زوجته وطفلتيه لوقت قصير بعد أن نزحوا من بيتهم، مؤكدًا صعوبة هذا الأمر.

وأشار إلى أنه يعيش حزنين، حزن على عدم قدرته رؤية عائلته، وحزن على رؤيته لوضع الناس فهناك حاجة لمساعدتهم أكثر من حاجته لرؤيته أهله، ولذلك يواصل تقديم العون والمساعدة لهم، وفق قوله.

وأكد أن قدرته على إخلاء مواطن من منزله بعد وقت طويل من معاناته، بمثابة الإنجاز الكبير له، كما أن قدرته على مساعدة مصاب أو حاج كبير أيضًا يعتبر بمثابة الإنجاز.

 

صعوبات كبيرة

على مدار الاجتياح المتواصل لمخيمي طولكرم تعرضت طواقم الإسعاف للتضييق والإيقاف والتفتيش عند كل نقطة للجيش، حتى لو كان هناك تنسيق للدخول لمكان معين.

ويقول توفيق: " عندما ندخل لإخلاء مصاب أو مريض أو أية حالة أخرى ونقوم بنقلها، فإن جنود الاحتلال يقومون بإيقافنا وتفتيشنا مرة أخرى". 

وختم بالقول:" إن هناك عائلات ما زالت في مخيم نور شمس موزعة على عدة حارات ، ونحنُ نجهد لتقديم المساعدة والدعم  لأفرادها وتزويدهم بطرود غذائية رغم الصعوبات والتحديات التي يفرضها جيش الاحتلال".